يجلس الأسير المحرر محمد عبد الله أمام منزله المدمر في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، تحت أشعة الشمس الساطعة، كاشفةً مرارة الأيام التي قضاها في سجون الاحتلال الإسرائيلي لمدة 11 شهرًا.
عبد الله، البالغ من العمر 38 عامًا، اعتُقل في ظروف صعبة عندما اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلي حي الشيخ رضوان غربي مدينة غزة، حيث فرضت الحصار على عدد من السكان هناك، ثم نقلته مع العديد من الشبان إلى المعتقلات في منطقة غلاف غزة.
كان اعتقال عبد الله بداية رحلة طويلة من القسوة والإهانة، يقول: "أمرونا بالخروج من مدرسة الدحيان والجلوس في ساحة المدرسة التي كنا قد لجأنا إليها طلبًا للأمان، فكان الوضع مزريًا، وبدأت مرحلة من التحقيقات العنيفة".
غلاف غزة
وقال عبد الله لـ "فلسطين أون لاين": "كان الجنود يجبروننا على خلع ملابسنا، ويقيدوننا ويتركوننا تحت الشمس الحارقة، ثم بدأوا في استجوابنا عن أماكن وجود الأسرى الإسرائيليين وعناصر المقاومة".
ويتابع: "عندما أجبت بأنني لا أعرف شيئًا، كان الضابط يضربني ويخرجني معصوب العينين ومقيد اليدين إلى ساحة المدرسة، دون طعام أو شراب، وسط سيل من الشتائم والضرب".
ويضيف: "بعد ساعات من الضرب والإذلال، وضعونا في ناقلة جند مع عدد من الأسرى، حيث كانت السيارة مليئة بالمعتقلين. وأثناء السير، كان السائق يتعمد الوقوف بشكل مفاجئ ليتسبب في ارتطام أجسادنا ببعضها البعض".
يتابع "وبعد وصولنا إلى غلاف غزة، كانت معاملة جنود الاحتلال معنا في غاية القسوة، فأنزلونا من ناقلة الجند ووضعونا في ساحة صغيرة مليئة بالحجارة الصغيرة، وتعرضنا للضرب المستمر"، مشيرًا إلى أنه "في حال طلب أحدنا الماء أو الطعام، كانت الإجابة الوحيدة هي مزيد من الضرب".
سجن النقب
ورغم كل ذلك، كان الأمل حاضراً في قلب عبد الله، فبعد عدة ساعات من الإهانة، تم نقله إلى غرفة التحقيق، حيث بدأ التحقيق مرة أخرى، وكلما سُئل عن الأسرى أو المقاومة، كان الضابط يضربه بشدة على رأسه. وعندما انتهى التحقيق، نُقل إلى زنزانة ضيقة حيث تعرض للمزيد من الإهانات واللكمات طوال الطريق.
لكن عبد الله شعر بشيء من الراحة عندما وصل إلى سجن آخر حيث التقى بعدد من الأسرى، ويقول: "كنت في زنزانة مظلمة وعيني معصوبة، لكنني شعرت ببعض الأمل عندما سمعت أصوات شبان آخرين من غزة، وأخبرني أحدهم عن ظروف السجن الصعبة".
ويتابع: "الضرب اليومي أصبح جزءًا من روتين حياتنا في السجن"، مستذكرًا: "كنا نُضرب بلا سبب، وكان طعامنا قليلاً للغاية، وبعضه كان ملوثًا أو عفنًا. وفي كثير من الأحيان، كنا ننتقل من سجن إلى آخر، وفي كل مرة كنا نكتشف أننا كنا في مكان بعيد عن بيوتنا".
تعاقبت الأيام، ونُقل عبد الله إلى سجن النقب، حيث كان الوضع أكثر صعوبة، إذ كانت الحشرات "البراغيث" تنتشر في السجن بشكل رهيب، وبدأنا نلاحظ ظهور الحبوب على أجسادنا، وكنا نعلم أن الاحتلال هو المسؤول عن نشر هذه الأمراض بيننا.
ويشير إلى أن جيش الاحتلال والسجانين كانوا يحاولون كسر إرادتنا ومعنوياتنا عبر عمليات النقل المستمر، إذ كانوا يخبروننا بأننا في طريق العودة إلى البيت، وعندما نصل إلى سجن آخر، نكتشف أنهم كانوا يكذبون، لنتعرض للضرب والإهانة من جديد.
وفي نهاية المطاف، يقول عبد الله: "تم نقلنا إلى سجن النقب، حيث كانت المعاناة مختلفة، فقسم الخيام كان يعاقب فيه أي شخص يعلق ملابسه خارج الخيمة بالسحب والضرب الشديد، كما انتشرت الأمراض بيننا، بما في ذلك الجرب، وكان الاحتلال هو من نشر المرض، إذ كان يعمد إلى عدم توفير أي علاج لنا".
العودة إلى غزة
ومع مرور الوقت، بدأت الأيام تنقضي ببطء، وكنا نتنقل من قسم إلى آخر، وكان الوضع أكثر قسوة. وبعد أسابيع من التنقل المستمر بين السجون، جاء اليوم الموعود، إذ أخبرنا السجان بجمع أغراضنا وحلق رؤوسنا، وكان ذلك إشارة إلى أننا في طريق العودة إلى بيوتنا.
ويكمل: "بعدها قيدونا وأعصبوا أعيننا، وانطلق بنا الباص إلى وجهة مجهولة، حتى تسلمتنا اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لنسمع كلمة ’حمدًا لله على السلامة‘، عندها أدركنا أننا سنعود إلى غزة".
وتابع قائلاً: "بعد أن تم نقلنا إلى مستشفى غزة الأوروبي للاطمئنان على صحتنا، وصلنا إلى غزة، حيث استقبلني أهلي الذين كانوا يعتقدون أنني استشهدت بسبب انقطاع التواصل معنا طوال تلك الفترة".
ويختتم عبد الله حديثه قائلاً: "توجهت إلى مخيم الشاطئ، وكان المشهد مؤلمًا للغاية، فالشوارع تغيرت بالكامل، وكل شيء دمره الاحتلال، لكننا سنبقى على أرضنا، وسنعيد بناء ما دمرته الحرب، ولن نغادر مهما كان الثمن".
وجاء الإفراج عن عبد الله، برفقة عدد من الأسرى، يوم السبت الماضي، ضمن المرحلة الأولى لتفاهمات وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في غزة في 19 يناير المنصرم، بوساطة مصرية-قطرية-أمريكية.