فلسطين أون لاين

دمار شامل في المنشآت والأراضي الزراعية والبنية التحتية

تقرير مفترق الشُّهداء... شاهد على وحشيَّة الحرب وصمود الفلسطينيِّين

...
مفترق الشُّهداء... شاهد على وحشيَّة الحرب وصمود الفلسطينيِّين
غزة / رامي محمد

على امتداد مفترق الشهداء "نتساريم"، الطريق الذي كان يومًا شريانًا يربط شمال قطاع غزة بجنوبه، تتكشف مشاهد الدمار الهائل الذي خلّفته الآلة العسكرية الإسرائيلية الهمجية، حيث لم تترك صاروخًا أو قذيفة إلا ووجّهتها نحو البنية التحتية، والأحياء السكنية، والمنشآت الحيوية.

المكان، الذي كان مركزًا للحركة والتجارة، تحوّل إلى ممرٍ للألم والمعاناة. على جانبي الطريق، تتكدّس المنازل المهدّمة، والأراضي الزراعية المحروقة، وشبكات المياه والصرف الصحي المدمّرة، بينما يحاول السكان جاهدين البحث بين الأنقاض عن بقايا حياة اختفت وسط الخراب.

لم يقتصر العدوان على استهداف المنازل، بل خلّف آلاف الحفر العميقة التي دمّرت المزارع، وحوّلت الأراضي الخصبة إلى مناطق غير صالحة للزراعة، مما تسبب في كارثة اقتصادية وغذائية لأصحاب الأراضي الذين فقدوا مصدر رزقهم.

إلى جانب ذلك، تعرّضت مؤسسات تعليمية، ومدارس، ومراكز مجتمعية للتدمير، في محاولة لضرب البنية التحتية التعليمية والثقافية في القطاع. حتى شبكات المياه والصرف الصحي لم تسلم، حيث أدى القصف العنيف إلى تدميرها بالكامل، متسببًا في أزمة إنسانية تهدد حياة آلاف السكان.

في مشهدٍ مؤلم، بالكاد تشقّ السيارات طريقها بين الحفر العميقة والانهيارات، بينما يضطر الأهالي إلى سلوك طريقٍ لولبيٍ ضيّق شقّه جيش الاحتلال خلال الحرب الأخيرة، ليقودهم نحو نقطة تفتيش عسكرية معزولة.

في منتصف الطريق، يرتفع مربع أمني محصّن فوق سطح الأرض، محاطٌ بكتل إسمنتية ضخمة، تقف عليها عناصر أمنية أجنبية تراقب كل صغيرة وكبيرة. في المقدمة، تتوزّع قوات أمنية عربية، مصرية وقطرية، يُوكل إليها التعامل مع المارّة وإجراء عمليات الفحص والمراقبة.

هذا المشهد، حيث التحصينات العسكرية تقطع أوصال القطاع، والدمار يبتلع شوارعه، يلخّص واقع غزة اليوم: مدينة تصارع للبقاء وسط رماد الحرب، وسكان يرفضون أن يُكسر صمودهم رغم الألم.

وسط هذا الخراب، يقف الحاج أبو محمود، سبعينيٌ خارت قواه، يتأمل منزله الذي تحوّل إلى كومة من الحجارة. بصوتٍ مخنوق، يصف مأساته: "عشنا هنا سنين طويلة، لكن في لحظة واحدة، ضاع كل شيء... لم يبقَ لنا مأوى، ولا أمان، ولا حتى ما نسدّ به رمقنا."

على بعد أمتار، تنحني أم سامي فوق كومة من الملابس المغطاة بالغبار، تحاول انتشال ما تبقّى من ذكرياتها المحطّمة. بنبرة يملؤها الألم، تقول: "هذه ليست مجرد ملابس، إنها حياة، ذكريات، عمرٌ كامل دُفن تحت الأنقاض."

وتضيف: "الاحتلال لم يكتفِ بالتدمير، بل تعمّد تغيير ملامح غزة الجغرافية، وكأنه يريد محوها من الخريطة."

من جانبه، يقول الشاب سليم النمروطي، العائد إلى مدينة غزة: "ما حدث هنا ليس مجرد قصف، بل استهداف ممنهج للبنية التحتية. الطرق لم تُدمّر فقط، بل تمّ تفتيتها بالقذائف المتكررة، ما يجعل إصلاحها يتطلب سنوات وليس شهورًا."

ويضيف: "شبكات المياه والصرف الصحي دُمّرت بالكامل، وهو ما قد يؤدي إلى انتشار الأمراض والتلوث بين السكان."

وبينما يحمل شقيقه بعض الأمتعة، يؤكد أن الحرب لم تستهدف البشر فقط، بل طالت الاقتصاد الفلسطيني برمّته: "مفترق الشهداء كان طريقًا تجاريًا مهمًا، وتحويله إلى أنقاض يعني خسائر اقتصادية فادحة، ليس فقط بسبب تدمير البنية التحتية، ولكن لأن الشركات والمحلات التي كانت تعتمد على هذا الطريق دُمّرت بالكامل."