في منزل شبه مدمّر في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، تتناثر قطع الحطام والركام في كل زاوية.
تحكي جدران منزل شادي ومحمد جودة، قصص العائلة الدافئة التي أصبحت الآن مجرد أحلام، حيث تحولت معظم غرف المنزل إلى أكوام من الحجارة والبلاط المتناثر، بفعل آلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي استمرت 471 يومًا.
الأرضية التي كانت يومًا نظيفة، أصبحت مليئة بالغبار والمخلفات، بينما تتناثر قطع الأثاث المحطمة في كل مكان، فلا توجد نافذة سليمة، وحتى الأبواب التي كانت تقف شامخة أصبحت قطعًا متناثرة بين الأنقاض.
في زاوية واحدة، بقيت غرفة واحدة فقط، تشهد جدرانها على صمودها في وجه الهجمات، لكنها أيضًا تشهد على الألم والمعاناة التي عاشتها العائلة.
هذه الغرفة الوحيدة التي بقيت صالحة للسكن، أصبح "شادي" و"محمد" يعكفان على تنظيفها وإزالة ما تبقى من الحطام ليجعلا منها مأوى ولو مؤقتًا لهم ولعائلتهما.
ملاذ آمن
في بداية الحرب، لجأ "شادي" وعائلته كما يقول لصحيفة "فلسطين"، إلى إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا في مخيم الشاطئ، على أمل أن يكون هذا المكان ملاذًا آمنًا، لكن الهجوم الإسرائيلي استمر، فتعرضت المدرسة لقصف شديد، ما أسفر عن استشهاد عدد من المواطنين وإصابة آخرين.
يضيف جودة: "الوضع كان صعبًا جدًا فلا مكان الاستقرار، مما اضطرنا للانتقال إلى مدرسة أخرى، لكن دون جدوى فلا مكان آمنا، وكنا نظن أن مدارس أونروا ستكون محمية بموجب القانون الدولي لكن الاحتلال انتهك جميع المحرمات وباتت صواريخه تطال كل مكان".
ويتابع بغضب: "بدأنا نعيش في حالة من القلق الدائم، مع القصف المتكرر والذي كان يهدد حياتنا في كل لحظة، ومع تزايد التهديدات، قررنا مغادرة المخيم والانتقال إلى مجمع الشفاء الطبي، على أمل العثور على مأوى آمن، لكن القصف لم يتوقف، حتى اقتربت قوات الاحتلال من المجمع ما اضطرنا بعد ذلك للانتقال إلى مخيم النصيرات وسط القطاع، فلجأنا إلى مدرسة أخرى تابعة لأونروا".
ويردف: بقينا لأشهر في المدرسة نواجه ظروفًا صعبة، منها انقطاع الكهرباء المستمر، ونقص حاد في المياه والطعام، كنا نجمع الحطب للطهي، وننقل المياه من مناطق بعيدة رغم القصف والخوف الذي كنا نعيشه يوميًا، وكان كل يوم يمثل تحديًا جديدًا للبقاء على قيد الحياة.
وعن ذلك يقول "محمد" وهو شقيق "شادي"، وهو يستند على جدار الغرفة المتبقية من المنزل المدمر: "لم نكن نعلم متى ستنتهي هذه المعاناة، وفي كل مرة كنا نبحث عن مكان أكثر أمانًا، لكن الوضع كان يزداد سوءًا".
غرفة واحدة
وما إن أعلن عن وقف العدوان، قرر الشقيقان العودة إلى منزلهما لمعاينة الوضع، فما أن وصلوه وجدوه قد دُمّر بالكامل، ولم يتبق سوى غرفة واحدة صالحة للسكن، من أصل ثلاثة غرف.
فرغم الخراب الذي أصاب منزلهم، قرر الشقيقان، "شادي" و "محمد" أن لا يستسلما. يتابع "محمد" بحزن: "عندما وصلنا إلى المنزل، صدمنا لما رأيناه، لقد دُمّر بالكامل، وبقيت غرفة واحدة فقط".
وأشار إلى أنهما يعملان على تنظيف الغرفة استعدادًا لعودة أسرتهما، مضيفًا: "نجمع بعض الأغراض وتهيئة المكان لكي تستطيع أسرتي العيش فيه، لكننا نواجه صعوبة في إيجاد خيام أو أي مكان آخر للجوء إليه بعد أن دمر جيش الاحتلال معظم القطاع".
ومنذ وفاة والدهم قبل أعوام، بات الشقيقان هما من يتحملان مسؤولية الأسرة بالكامل، فيحاول "شادي" و "محمد"، توفير احتياجات أسرتهم الأساسية في ظل الأوضاع الراهنة، "أصبحت حياتنا مزيجًا من الأمل والألم، ونحاول بناء ما تبقى لنا رغم كل التحديات".
ورغم الدمار الكبير الذي لحق بمنزلهما وحياتهم، يصر الشقيقان "شادي" و "محمد" على التمسك بالأمل في تجاوز هذه المرحلة الصعبة.
وفي 19 يناير/ كانون ثان، دخل اتفاق وقف حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، حيز التنفيذ، ليستمر في مرحلته الأولي 42 يومًا، يتم خلالها التفاوض والبدء بمرحلة ثانية ثم ثالثة بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة.