في خطوة مفاجئة، أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترمب فور عودته إلى البيت الأبيض رغبته في تهجير الفلسطينيين من غزة، ساعيًا إلى تحويلها إلى "ريفيرا الشرق الأوسط"، بعد تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة في حرب طويلة شاركت فيها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وعموم الدول الغربية بكل قوتها، رغم معارضة غالبية شعوبهم.
يكرر ترمب ونتنياهو مخططاتهم الخطيرة التي تقوم على سياسات أثبت التاريخ موتها، معتقدين أنهم قادرون على تشكيل العالم والمنطقة وفق تصوراتهم، دون أن يضعوا في حسبانهم حق الشعب الفلسطيني في أرضه وثباته عليها، ونضاله المستمر للقرن الثاني على التوالي. وسيواصل هذا النضال بالتحالف مع الشعوب وقوى التحرر في العالم حتى إسقاط الطغاة الساعين إلى إعادة تشكيل الواقع الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي.
المشاريع الاستعمارية ومصيرها
لتسليط الضوء على المشاريع الاستعمارية العالمية في فلسطين والمنطقة، ومصيرها، والمطلوب لمواجهتها، تحاور "فلسطين أون لاين" الباحثة المتعمقة في السياسة والاقتصاد، الدكتورة غانية ملحيس، الرئيسة السابقة لمجلس أمناء معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس).
تقول ملحيس إن ترمب يقدم رؤيته لمستقبل غزة كما لو كانت أرضًا فارغة، متجاهلًا تاريخ فلسطين الممتد لآلاف السنين، وكونها جزءًا من منطقة عربية إسلامية مأهولة بسكانها الأصليين. وتشدد على أن الشعب الفلسطيني ما يزال صامدًا رغم حروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي المستمرة ضده.
وتضيف أن الفلسطينيين، رغم تهجير نصفهم خارج وطنهم واستقدام نحو 7 ملايين مستوطن يهودي من أوروبا ومختلف أنحاء العالم، لا يزالون يشكلون أكثر من نصف المقيمين في فلسطين.
تكرار النموذج الاستعماري
ترى ملحيس أن التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري، بعد قرنين من المحاولات المستميتة، لا يزال يعتقد بإمكانية تكرار النموذج الاستعماري الذي تعامل مع الأمريكيتين وأستراليا وكأنها "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
ووفق ملحيس، يتميز السلوك الاستعماري الحديث باستبدال الاحتلال العسكري بالاستملاك الاقتصادي، بحيث تتحول الأرض إلى مشروع استثماري ضخم في خدمة رأس المال العالمي والشركات العابرة للحدود والقوميات والأديان.
لم تأتِ المخططات الاستعمارية من فراغ، فهي متصلة بمشاريع استعمارية عالمية. فالتاريخ الاستعماري العالمي شهد أنماطًا متكررة من التوسع والهيمنة، بدءًا من الاستيطان الإسباني والبرتغالي في الأمريكيتين، إلى الاستعمار الفرنسي والبريطاني في إفريقيا، ثم الاستيطان الأبيض في أستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا.
وتشير ملحيس إلى تقرير "أوكسفام" الصادر في 20 يناير 2025 تحت عنوان "ناهبون لا صانعون"، الذي كشف عن زيادة ثروات المليارديرات عام 2024 بمقدار تريليوني دولار بوتيرة أسرع بثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2023. كما أشار التقرير إلى أن 22 مليارديرًا يملكون 71 تريليون دولار، بينما يستحوذ واحد في المئة من سكان الشمال العالمي على 30 مليون دولار في الساعة من ثروات بلدان الجنوب العالمي التي يكافح سكانها من أجل البقاء.
مخطط ترامب وكوشنر
تربط ملحيس مخطط ترمب بمشروع مشابه طرحه صهره جاريد كوشنر في بداية الحرب على غزة، حين تحدث عن تحويل القطاع إلى "سنغافورة الشرق الأوسط"، في محاولة لإخفاء الطابع الإجرامي للإبادة والاقتلاع القسري تحت غطاء التنمية الاقتصادية.
وترى ملحيس أن ترمب يعتبر مشروعه التهجيري من غزة فرصة للفلسطينيين وليس جريمة، متجاهلًا أن التهجير القسري جريمة حرب وفق القانون الدولي.
تكشف ملحيس عن نظرة ترامب الحقيقية لـ(إسرائيل) ككيان وظيفي، إذ وصفها بأنها "قلم صغير على مكتبه الكبير"، وهو ما يعكس الرؤية الأمريكية لإسرائيل كأداة في مشروعها الإمبراطوري، لا كحليف مستقل.
وتوضح أن الصهيونية منذ وعد بلفور عام 1917 كانت مشروعًا يخدم القوى الاستعمارية الغربية، بدءًا من بريطانيا وصولًا إلى الولايات المتحدة. ومن هنا، يواصل ترمب ذات النهج، معتبرًا أن على إسرائيل تنفيذ الأجندة الأمريكية الكبرى.
تؤكد ملحيس أن مصير مخططات ترمب ونتنياهو سيكون الفشل المحتوم، كما فشلت المشاريع الاستعمارية السابقة أمام صمود الشعوب.
وتضرب الباحثة الفلسطينية أمثلة من التاريخ لقادة مصابين بأوهام العظمة، مثل نيرون ونابليون وهتلر، الذين سعوا لفرض مشاريعهم الاستعمارية بالقوة، فكانت نهايتهم الدمار. وتشير إلى فشل فرنسا في طمس هوية الجزائر رغم 132 عامًا من الاستعمار، وسقوط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا رغم عقود من القمع.
وتضيف أن ترمب ونتنياهو يسيران في الطريق ذاته، متوهمين أنهم قادرون على إعادة تشكيل المنطقة وفق رغباتهم، بينما تؤكد التجربة التاريخية أن الشعوب تقاوم مشاريع الاقتلاع والاستعمار.
تعزيز المقاومة وإعادة تعريف القضية الفلسطينية
ترى ملحيس أن مواجهة مخططات التهجير والتصفية تتطلب تعزيز المقاومة الشاملة بأشكالها السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والقانونية، وفضح المحاولات التي تسعى إلى تغليف الإبادة والتطهير العرقي بمفاهيم الاستثمار والتنمية.
وتدعو إلى تفعيل الضغط القانوني الدولي من خلال تقديم دعاوى ضد الإدارة الأمريكية أمام المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وتسريع الحكم في القضية المرفوعة ضد (إسرائيل) أمام محكمة العدل الدولية بشبهة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. كما تشدد على ضرورة تسريع تنفيذ الحكم القضائي لمحكمة الجنايات الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت، وتقديم جميع مجرمي الحرب الإسرائيليين والأمريكيين والأوروبيين للقضاء.
وتؤكد ملحيس أهمية المقاطعة الاقتصادية، وفرض عقوبات على الدول والقادة والشركات التي تشارك في العدوان والتهجير والاستثمار في تدمير فلسطين.
كما تشدد على ضرورة إعادة تعريف القضية الفلسطينية عالميًا، باعتبارها قضية تحرر وطني، وجزءًا من النضال التحرري الإنساني العالمي ضد الاستعمار والعنصرية والاستعباد.