منذ اليوم الأول لاعتقاله على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي في خان يونس، جنوب قطاع غزة، خلال العدوان الذي شنه الاحتلال عام 2014، كان لدى الأسير المحرر محمد زويد الأغا يقينٌ راسخٌ بأنه سيتحرر من قيود الأسر عبر صفقة تبادل بطولية تبرمها المقاومة الفلسطينية، التي حملت على عاتقها دائمًا مسؤولية تحرير الأسرى.
وتحقق هذا اليقين حينما تمكنت كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، من إبرام صفقة تبادل مع دولة الاحتلال في يناير الماضي، حيث وجد الأغا نفسه بين الأحرار، بعدما فتح الاحتلال له باب السجن مجبرًا، وخرج مرفوع الرأس، ليعود إلى أحضان أهله ووطنه، شاهدًا على انتصار الإرادة على القيد.
تحرر الشاب محمد زويد الأغا، ابن مدينة خان يونس، ضمن الدفعة الأولى من الأسرى المحررين الذين دخلوا إلى قطاع غزة بعد حرب الإبادة الجماعية التي استمرت عامًا وثلاثة أشهر، ليجد نفسه محمولًا على أكتاف أهله وجيرانه الذين احتشدوا في مستشفى غزة الأوروبي، مهللين ومباركين بتحريره.
لم تكن لحظة التحرير عادية، فقد ارتدى الأسير المحرر بزته العسكرية وحمل سلاحه على كتفه خلال الموكب الذي نقله من مستشفى غزة الأوروبي، شرق خان يونس، إلى منزله في منطقة السطر الغربي، في رسالة واضحة بأن المقاومة لا تترك أسراها.
يقول الأغا لـ "فلسطين أون لاين": "منذ لحظة اعتقالي الأولى من قبل جيش الاحتلال في خان يونس، كان لدي يقينٌ راسخٌ بأنني سأتحرر عبر صفقة تبادل، وزاد هذا اليقين عند إبرام المقاومة صفقة وفاء الأحرار، التي خرج بموجبها مئات الأسرى. فالمقاومة وعدت ووفَت، وكما حررتني اليوم، ستواصل طريقها حتى تحرير جميع الأسرى".
عاش الأغا برفقة آلاف الأسرى في سجون الاحتلال ظروفًا قاسية تزداد صعوبتها يومًا بعد يوم، وبلغت ذروتها مع الساعات الأولى لتنفيذ كتائب القسام عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023. حينها أدرك الاحتلال أن الأسرى يشكلون جزءًا من معادلة الصراع، فمارس بحقهم مزيدًا من القمع والتنكيل.
يؤكد الأغا أن سلطات الاحتلال لم تكتفِ بالممارسات القمعية اليومية، بل صعّدت إجراءاتها التعسفية بسحب جميع أجهزة الراديو والتلفاز من الأقسام، كما شنت حملات تفتيش واسعة لمصادرة أي هواتف، بهدف عزل الأسرى عن العالم الخارجي ومنعهم من تلقي أي أخبار عن مجريات المعركة.
ومع اشتداد المعارك، لجأت إدارة السجون إلى فرض المزيد من الإجراءات القمعية، فاستخدمت جميع أشكال القمع والتنكيل، بدءًا من رش الغاز على وجوه الأسرى، والضرب الوحشي، وصولًا إلى الإهانة والتضييق الشديد، في محاولة لكسر معنوياتهم.
يقول الأغا: "كنا في الأيام الأولى للمعركة بحاجة ماسة إلى أي معلومة أو خبر يأتينا من الخارج، خاصة مع تصاعد وحشية جيش الاحتلال ضد أهلنا في قطاع غزة، حيث ارتكب المجازر وقتل الآلاف من المدنيين الأبرياء. كل أسير كان متعطشًا لأي خبر يطمئنه عن أهله ووطنه".
ورغم القمع، كانت معنويات الأسرى في ذروتها خلال عملية "طوفان الأقصى"، وأكثر اللحظات التي أثّرت فيهم وأشعرتهم بالفخر كانت المشاهد التي استطاعوا رؤيتها خلال الأيام الأولى من العملية، لا سيما مشهد مقاتلي القسام وهم يسحبون جنود الاحتلال وضباطه من داخل الدبابات، ويقتادونهم إلى داخل قطاع غزة.
يؤكد الأغا أن مشاهد الفخر والانتصار هذه، التي انتشرت في أوساط الأسرى، أثارت غضب السجانين، الذين عادوا لممارسة المزيد من التضييق واتخاذ قرارات وإجراءات قمعية جديدة بحق الأسرى، في محاولة لكسر معنوياتهم.
ورغم كل المعاناة، لم يكن هناك يوم أشدّ على الأغا من يوم استشهاد شقيقه حمدي في مدينة خان يونس، حيث لم يعلم بخبر استشهاده إلا بعد مرور ثلاثة أشهر، حين أخبره أحد الأسرى بذلك.
يقول الأغا بحزن: "استشهد شقيقي حمدي، ولم أعلم بذلك بسبب انقطاعنا التام عن العالم الخارجي وعدم توفر أي وسيلة اتصال. لم أستوعب الخبر حين سمعته، فقد كان صادمًا لي، وكنت أتمنى لو تمكنت من وداعه".
بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تفاجأ الأغا حين أبلغه السجانون في سجن نفحة الصحراوي بأنه سيتم نقله إلى سجن آخر دون توضيح الأسباب، ولم يكن يدري حينها أنه سيكون ضمن الأسرى المفرج عنهم في صفقة التبادل.
يقول الأغا: "رغم عدم إخباري بوجود اسمي ضمن صفقة التبادل، إلا أنني شعرت بأن ساعة الحرية قد اقتربت، خاصة بعد استدعائي لمقابلة مع مخابرات الاحتلال، حيث هددوني بالقتل في حال عدتُ للعمل المقاوم".
لم تمضِ سوى ساعتين حتى نادى السجان على اسمه وأخبره رسميًا بأنه سيكون ضمن الأسرى المحررين. لحظات لا يمكن وصفها بالكلمات، لكنها كانت مزيجًا من الفرحة والدهشة.
بعد 10 سنوات قضاها في الأسر، من أصل حكم بالسجن 16 عامًا ونصف، خرج الأغا مرفوع الرأس، ليؤكد أن المقاومة التي حررته من قيد السجن لن تتخلى عن باقي الأسرى، وستعمل على تحريرهم جميعًا.