بعد عودتهم إلى منازلهم المتضررة جراء الحرب الأخيرة، يجد سكان قطاع غزة أنفسهم أمام تحديات قاسية في محاولة ترميم ما تبقى من مساكنهم.
رغم بساطة الإصلاحات التي يسعون إليها، فإن العقبة الأكبر تتمثل في النقص الحاد في مواد البناء، خاصة الأسمنت، الذي شهد ارتفاعًا غير مسبوق في أسعاره، إلى جانب نقص الأبواب والنوافذ وأدوات السباكة، مما يجعل عملية الترميم شبه مستحيلة.
يقول عبد المنعم الداموني، أحد العائدين من دير البلح إلى مخيم البريج وسط قطاع غزة، إنهم حاولوا إجراء بعض الإصلاحات في منزلهم المدمر جزئيًا، مستعينين بما تبقى من هيكله المتضرر. وأوضح أنهم سعوا لسد الثقوب والفجوات الكبيرة في الغرفة الوحيدة الصالحة للسكن، لكن الأمر يتطلب توفر الأسمنت، وهو ما أصبح نادرًا جدًا.
وأشار الداموني إلى أن أسعار الأسمنت وصلت إلى مستويات خيالية، حيث يطلب التجار أكثر من 1000 شيكل للكيس الواحد، ما يجعل عمليات الترميم شبه مستحيلة، ويضاعف معاناة السكان الذين يكافحون للبقاء في منازلهم وسط هذه الظروف القاسية.
وأضاف أن هذا الوضع قد يتسبب في مزيد من التدهور للمنازل غير القادرة على الصمود أمام التقلبات الجوية أو حتى هطول الأمطار، الأمر الذي يفاقم من معاناة العائلات المهددة بالتشرد من جديد.
وشهد قطاع غزة عدوانًا إسرائيليًا عنيفًا في السابع من أكتوبر 2023، حيث شنّ جيش الاحتلال غارات جوية مكثفة وهجمات برية وبحرية على مختلف مناطق القطاع، مما أسفر عن ارتقاء آلاف الشهداء والجرحى، وتدمير واسع للبنية التحتية والمنازل السكنية.
من جانب آخر، يشكو الشاب فؤاد دويك من النقص الحاد في الأبواب الحديدية والخشبية، وهو ما يزيد من صعوبة تأمين منزله بعد الأضرار التي لحقت به. وأوضح دويك أنه يسعى جاهدًا لتركيب بوابة رئيسية لحماية منزله، لكن ندرة المواد وارتفاع أسعارها يعوقان ذلك، مضيفًا أنه اضطر إلى تأجيل خطط تأمين منزله بشكل مؤقت حتى يتمكن من توفير المواد اللازمة.
وأشار دويك إلى أن بقية الأبواب والنوافذ داخل المنزل تضررت بشكل كبير، حيث إن بعضها دُمر بالكامل، بينما تعرض البعض الآخر للكسر الجزئي، مما يجعل منزله مكشوفًا وعرضة لتقلبات الطقس.
وأوضح أن أصحاب الورش يطالبون بأسعار باهظة مقابل توفير الأبواب، بسبب ندرة الخشب والحديد في الأسواق، مما يجعل الكثير من العائلات غير قادرة على إعادة تأهيل منازلها وتأمينها بالشكل المطلوب.
كما أشار إلى أن التجار يبررون هذا الارتفاع بالظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، بالإضافة إلى الإغلاق الذي يزيد من صعوبة الحصول على المواد الأساسية.
كما يشكو المواطن أبو مالك عطيوان من الارتفاع الملحوظ في أسعار أدوات السباكة، خاصة شبكات توصيل المياه والخزانات، في ظل الحاجة المتزايدة إليها بعد تعرض معظم خزانات المياه للتلف.
وقال عطيوان إن خزانات تعبئة المياه أصبحت مرتفعة السعر للغاية، كما أن نقص الكميات المعروضة في الأسواق يزيد من تفاقم الأزمة.
وأوضح عطيوان أنه مع تدمير خزانات المياه في العديد من المنازل، أصبح من الصعب على العائلات تأمين مياه الشرب أو الاستخدام اليومي.
وأضاف: "نحتاج إلى حلول عاجلة لمواجهة هذه الأزمة التي تهدد حياة الكثير من العائلات".
كما طالب الجهات المعنية بضرورة التدخل للحد من هذه الزيادات، وتوفير حلول بديلة تضمن استقرار الأوضاع وتخفيف الأعباء عن المواطنين.
وتشير التقديرات الجديدة إلى أن تكلفة إعادة الإعمار، التي قدّرتها وكالة "بلومبيرغ" في أغسطس الماضي، تصل إلى حوالي 80 مليار دولار أميركي.

