يحتشدون كبارا وصغارا، يتعالون على جراحهم وأوجاعهم بعد 16 شهرا من حرب الإبادة الجماعية، تثقل الهموم ظهورهم، لكنهم يأتون مرفوعي الرؤوس بما انتظروه طويلا: "صفقة مشرفة".
هكذا يبدو مشهد المواطنين في مراسم تسليم أسرى الاحتلال الإسرائيلي في أنحاء قطاع غزة بموجب اتفاق وقف حرب الإبادة، وأحدث محطاته إفراج المقاومة السبت عن ثلاثة أسرى مقابل 183 أسيرا فلسطينيا ضمن الدفعة الرابعة من المرحلة الأولى.
في ميناء غزة الذي كان منصة لتسليم أسير إسرائيلي للجنة الدولية للصليب الأحمر احتشد المواطنون حول المئات من رجال المقاومة، على وقع الأناشيد الوطنية الحماسية، في مناسبة مثلت فرصة لهم للتعبير عن مشاعرهم الوطنية.
تجمعوا حول علم فلسطين ورايات المقاومة، عيونهم ترنو إلى تحرر وطنهم وأسراهم، وخلاصهم من احتلال طويل جاثم على صدورهم.
واجتمعوا على رسالة واحدة حملها شعار مراسم تسليم الأسير "لن تنتصر الصهيونازية".
هي "الصهيونية" التي يرونها "العدو" لأحلامهم وطموحاتهم في أرضهم، والمنفذة لمحارق متتالية تطالهم وأبناءهم وبيوتهم ومزارعهم وكل تفاصيل حياتهم.
يخرجون كطائر العنقاء، يبددون حلم الاحتلال بمحوهم، ويثبتون أنهم لا يزالون هنا، وسيبقون كما كتب أحدهم على جدار مدمر قرب ميناء غزة: "باقون هنا ما بقي الزعتر والزيتون".
"على طاولة العز" كما وصفها متحدث خلال المراسم، كانت عملية تسليم الأسير الإسرائيلي محط أنظار المواطنين الذين تهافتوا على مشاهدة حدث فارق في تاريخ قضيتهم.
وتعالت هتافاتهم تأييدا وإسنادا لرسالة المتحدث الذي قال: إن التسليم يتم على "طاولة عز يرتفع عليها العلم الفلسطيني في هذا المشهد الذي تعلو فيه صورة المقاومة بفضل الله ثم ثم بجهاد شعبنا وحاضنته وصبره واحتسابه".
والتحمت هذه الرسالة مع مشاعر الحاضرين الذين ارتسمت عليهم ملامح النشوة بهذه الصفقة، وبإشادة المتحدث بهم بصفتهم الحاضنة الشعبية التي تعبد مع المقاومة طريق إنهاء الاحتلال وتحرير الأسرى.
حمزة عودة هو أحد الشبان الذين حضروا مبكرا إلى مكان تسليم الأسير الإسرائيلي، متفاعلا مع هذه المناسبة بكل جوارحه.
يقول لصحيفة "فلسطين": إن هذه المناسبة "تمثل له ولشعبنا كل شيء" رغم استشهاد أهله في حرب الإبادة الجماعية وأسر الاحتلال والده.
ويغمره الحماس وهو يعبر عن اعتزازه بكونه من قطاع غزة، الذي يثق بأنه رافعة للقضية الفلسطينية.
ويؤكد أن الشعب الفلسطيني ومقاومته سينتصران وأن غزة والقدس وسائر فلسطين سيتحررون من الاحتلال.
وإلى جانبه اصطحبت سارة عودة طفلتها، التي وضعت على رأسها عصبة القسام الخضراء، لتشهد مراسم تسليم الأسير الإسرائيلي.
تقول سارة لصحيفة "فلسطين": إن هذا حدث كبير جدا، ومنذ أن اندلعت الحرب كنا مع تحرير الأسرى مهما كان الثمن، مبدية ثقتها بأن الأسرى الفلسطينيين سيتحررون من سجون الاحتلال.
وتؤمن الشابة الغزية بأن "المقاومة باقية ومستحيل أن تزول"، مضيفة: "رأينا ما فعل المحتل منذ أكثر من سنة لكن المقاومة موجودة".
وتتابع: "أكيد رح ينتصروا (رجال المقاومة) ومن استشهدوا سيأتي الآلاف بدلا منهم".
وعن شعار المراسم "لن تنتصر الصهيونازية"، تقول: "بالتأكيد، نحن سننتصر لأن هذه أرضنا وبلادنا".
وكذلك الأربعيني رجب عبد الباري يصف المراسم بأنها "رمز عزة وفخار للشعب الفلسطيني أنه صمد وصبر 16 شهرا وانتظر لحظة الفرح لأسرانا الأبطال الذين لن يروا النور إلا بصفقة مشرفة كهذه".
وفي حديثه مع صحيفة "فلسطين" يضيف عبد الباري أن الاحتلال مهما ارتكب من مجازر ودمار ضد الشعب الفلسطيني فإن "شعبنا بقي صامدا وثابتا وانتصر في آخر المعركة وخنع العدو الصهيوني لمطالبه".
وفي نهاية المراسم توزع المواطنون في أنحاء المكان، الذي وضعت فيه صور القادة الشهداء، لالتقاط الصور التذكارية، منتظرين موعدا جديدا يغمرهم بفرحة لجم جرائم الاحتلال وتحرير مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل العشرات من أسرى الاحتلال بصفقة يفخرون بها.