مع إعلان الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، عن استشهاد محمد الضيف قائد هيئة أركان "القسام"، تنتهي مسيرة رجل أرهق حسابات (إسرائيل) لسنوات طويلة، وهو القائد العسكري الذي أعلن جيش الاحتلال أكثر من مرة اغتياله، قبل أن يكتشف في كل مرة أنه حي يرزق، حتى بات الإعلام الإسرائيلي يسميه بـ"رجل الظل".
وجاء إعلان "ألقسام" بعد نحو أسبوعين من سريان اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، وبعد أشهر طويلة من حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبتها "تل أبيب" بحق الفلسطينيين بقطاع غزة، وحملت شكوكًا حول مصير هؤلاء القادة مع إعلان الجيش الإسرائيلي اغتيال بعضهم بأوقات سابقة، دون تعقيب فوري من "القسام" على ذلك.
ما دلالات التوقيت؟
قال الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حازم قاسم، إن لتوقيت الإعلان عن استشهاد محمد الضيف قائد كتائب القسام -الجناح العسكري للحركة- وقادة آخرين، اعتبارات خاصة بالكتائب.
وأوضح قاسم، أن التوقيت مرتبط بإجراءات أمنية وميدانية، “الجميع أن يعرف أنه كانت هناك حالة استهداف غير طبيعية ومتابعة صهيونية شاركت فيها طائرات استخبارية من الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل مكثف وكانت تتابع كل تحركات قادة حماس والقسام”.
وتابع “بالتالي كانت هناك تعقيدات ميدانية كبيرة، وحالة الفصل بين جنوب القطاع وشماله، والقصف المتواصل على كل مفاصل العمل الحركي، هذه هي الاعتبارات الميدانية، لكن بعد استكمال التحقيقات، تمكنت الجهات المختصة في كتائب القسام، من تحديد هوية هؤلاء الشهداء، وأماكن استشهادهم وانتشالهم، بالتالي أصبح هناك مجال للإعلان عن استشهادهم”.
وأكد قاسم، أن الاحتلال كان دائمًا ما يعتمد على اغتيال قيادات المقاومة، وخاصة حركة (حماس)، بشقيّها السياسي والعسكري، لكنه "يتوهّم" بأن هذه الاغتيالات يمكن أت تضعف المقاومة، وفق تعبيره.
وقال قاسم، إن (حماس) دائمًا ومنذ انطلاقتها، لديها أهداف كبيرة، وكانت تتوقع من البداية أن يتم استهداف قادتها وكوادرها، بالتالي عملت بشكل مرن على سد الفراغات التي يخلفها اغتيال القيادات “مباشرة”، ولا تسمح لاغتيال القيادات أن يؤثر في عملها.
رسالة طمأنة بأنها "قادرة على إدارة أي تحديات مستقبلية"
من جهة تحليلية، يرى مدير مركز "يبوس للدراسات الاستراتيجية"، سليمان بشارات، أن المقاومة الفلسطينية أرادت من خلال الإعلان أن تقول لحاضنتها الشعبية والمجتمعية أنها وقادتها (من الصف الأول) جزء منهم وكانوا حاضرين في الميدان واستشهدوا باستهدافات إسرائيلية.
واعتبر أن هذا الأمر "يضر الرواية التي كانت دائما تتهم قيادة المقاومة بالاختباء مع عائلاتها والابتعاد عن مسرح العمليات المباشرة حيث كان الاحتلال يستغل ذلك لشيطنة المقاومة والتأثير على حاضنتها الشعبية وإفقاد المجتمع الثقة بقادتها".
إلى جانب ذلك، أرادت "القسام" تعزيز احتضانها من المجتمع الفلسطيني، حيث أن "حركات المقاومة التي تقدم قياداتها شهداء ضمن معارك المواجهة تحظى دائما باحتضان ودعم وثقة كبيرة من المجتمع".
وأشار إلى، أن المقاومة التي فقدت كل هذه القيادات من الصف الأول في أوج المعركة واستطاعت أن تصل لـ"بر الأمان"، عبر اتفاق وقف إطلاق النار، توصل رسالتها بأنها "قادرة على إدارة أي تحديات مستقبلية".
وأضاف أن المقاومة التي ذهبت لتنفيذ هذا الاتفاق وصفقة التبادل بهذا الشكل وتحكمها بمساراتها السياسية والميدانية تريد أن تقول للشعب الفلسطيني إن "التحديات القادمة يمكن التغلب عليها ولا خوف من قدرتها على مواجهة أي تهديدات مستقبلة".
واعتبر بشارات إعلان القسام بمثابة رسائل "طمأنة وتوحيد مواقف وجهود وتعزيز ثقة ومبايعة للمجتمع الفلسطيني".
وعن دلالات التوقيت، قال إن تأخير إعلان القسام استشهاد قادته جاء للحفاظ على الحالة النفسية للحاضنة الشعبية وتماسكها. مردفًا: "لو تم الإعلان خلال الحرب كان سيشكل ضغطا نفسيا على الحاضنة والمجتمع الفلسطيني".
كما أن "القسام" تهدف من تأخير الإعلان "سحب ورقة الانتصار من الاحتلال الإسرائيلي ولو كان بشكل مؤقت"، وفق بشارات.
وتابع: "المقاومة في ظل الحرب كان لديها من التدابير والهيكلية الكثير من الأمور التي قد تجعلها من الصعب أن تعلن بكل تفاصيل من اُستهدف، لذا أرادت أن تؤخر الإعلان حتى لا يستخدم الإعلان في ذلك الوقت كورقة انتصار للاحتلال على المقاومة".
إلى جانب ذلك، فإن هذا الإعلان يحافظ ويعزز "مصداقية القسام" التي كان بإمكانها إخفاء إعلان استشهاد قيادييها لسنوات قادمة حيث لا تستطيع أي جهة إثبات ذلك، وفق قوله.
وعد بشارات "مصداقية رواية القسام" واحدة من السرديات التي لم يستطع الاحتلال كسرها خلال حرب الإبادة، لافتا إلى أن الكتائب نجحت على مدار العقود الماضية في بناء ثقة كبيرة بخطابها الذي يقدم للفلسطينيين والإسرائيليين على السواء.
من جانبه، قال الخبير في الشؤون "الإسرائيلية" مهند مصطفى أن الاغتيالات لم تغير من الواقع الإستراتيجي والظروف الميدانية، ولم تغيّر من فاعلية حماس وقدرتها على المواجهة مع "إسرائيل".
وأضاف مصطفى، أن إعلان أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام عن ارتقاء القائد الضيف ورفاقه، أظهر استمرار الحركة بالقتال وقدرتها على إدارة المعارك برغم اغتيال قادتها، ويفنِّد من جديد مزاعم "تل أبيب" حول تمكنها من تفكيك القسام وإضعاف الحركة.
وشدد الخبير، على أن فكرة استثمار "إسرائيل" للاغتيالات المتكررة والنابعة من نزعة انتقامية "لم تنجح، فحماس تتطور رغم اغتيال قادتها".
فيما أكد مدير مؤسسة فيميد الفلسطينية للإعلام إبراهيم المدهون، أن "القسام لم تتأثر بشكل جوهري على الصعيد العسكري حيث واصلت إدارة العمليات بنفس الفاعلية بعد استشهاد قادتها".
ويعتقد المدهون، أن القسام "أعادت ترتيب صفوفها، وترميم هياكلها القيادية"، لافتا إلى أنه من المرجح أن تكون الكتائب قد "اختارت قادة الألوية والكتائب والسرايا الجدد ليحلوا محل الشهداء".
وأوضح أن "القسام تتمتع بوفرة في المقاتلين والقيادات، مما يجعلها قادرة على تجاوز خسارة أي قائد، حتى لو كان من المؤسسين"، مضيفا إن حماس منظومة "لا تعتمد على الأفراد بل على بناء متين قادر على الصمود".
وأرجع تأخر إعلان القسام عن "استشهادهم"، إلى ما يسببه من "ضرر معنوي ونفسي بالمقاتلين"، لافتا إلى أن هذه الخطوة جاء بعد "ترتيب الصفوف".
وقد تربع الضيف على عرش قائمة الاغتيالات التي وضعتها إسرائيل على مدار عقود، وسبق أن نجا من أكثر من سبع محاولات اغتيال طاولته خلال العقود الماضية، حتى أطلقت عليه المؤسسة الأمنية للاحتلال "صاحب الأرواح التسعة" أو "رجل الموت".
وشخصية الضيف محاطة بالغموض، وارتبط اسمه دائما بالحذر والحيطة وسرعة البديهة، ولا يظهر إلا لماما، ولم يظهر منذ محاولة اغتيال فاشلة -من بين محاولات كثيرة- أواخر سبتمبر/أيلول 2002 إلا في تصريحات ترتبط بعمليات عسكرية للمقاومة، آخرها عملية "طوفان الأقصى" فجر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.