قائمة الموقع

أم رياض أبو جبارة: حكاية صمود في وجه الحرب والفقد والدَّمار

2025-01-28T09:54:00+02:00
أم رياض أبو جبارة: حكاية صمود في وجه الحرب والفقد والدَّمار 
فلسطين أون لاين

في خضم المعاناة التي خلفتها الحرب على غزة، وقفت أم رياض أبو جبارة أمام محنتها الكبيرة بشجاعة لم يعرفها سوى من عايش الحرب بكل تفاصيلها، كان منزلها في مخيم البريج أحد البيوت التي طالها القصف العنيف، لكن قصتها تميزت بتفاصيل موجعة ورغم الألم، وقسوة الأيام لا تزال متمسكة بأرضها وبحقها في الحياة لتكون رمز لصمود عائلة بأكملها في وجه الحرب والدمار. 

مع بداية الحرب في قطاع غزة، كان الواقع أسوأ من أي وقت مضى، المشهد الذي عاشته أم رياض لا يختلف كثيرًا عن مئات القصص التي تتكرر يوميًا في بين الفلسطينيين وخاصة بين النازحين، فزوجها قرر أن يُرسل زوجته وأبناءه إلى منزل أحد أقاربها في مكان أكثر أمانًا، بينما بقي هو في المنزل، ملتزمًا بحماية ما تبقى من ذكرياتهما المشتركة، لكن القدر كان له رأي آخر.. كان يعلم أن المخاطر تزداد بشكل يومي، لكن ما كان يشغله في تلك اللحظات هو تأمين حياة أسرته قدر المستطاع. 

تقول الثلاثينية أم رياض بصوتها المليء بالحزن: "زوجي كان دائمًا يعودني على الاعتماد على نفسي في كل شيء، كان يعطيني القوة لأكون قادرة على مواجهة الحياة مهما كانت قاسية، وكأنه يهيئني لتلك الظروف، لكني لم أكن أتوقع أن الحياة ستأخذه مني بهذه السرعة". 

مع بزوغ فجر يوم الثالث عشر من شهر أكتوبر لعام ٢٠٢٣، كان أحد أيام الحرب العنيفة، وبينما كانت في صلاتها الفجر، اهتزت الأرض من تحت قدميها، "سمعت صوت قصف شديد، وكأن كل شيء في الدنيا قد تحطم في تلك اللحظة، وشعرت بشيء غريب في قلبي، كأنني فقدت شيء عزيزًا عليّ، لكن لم أكن أعرف حينها أنني فقدت زوجي بالفعل"، تروي أم رياض بنبرة تملؤها مشاعر متناقضة من الحزن والألم. 

مرت أيام ثقيلة، كانت أم رياض تبحث مع أبناءها الأربعة بين الركام عن أي خبر يطمئنها عن مصير زوجها، لكن بعد يومين من البحث المتواصل، تم العثور عليه، وكان جثمانه ساجدًا على الأرض، فقد استشهد وهو يصلي الفجر، "لم أصدق، لم أتخيل أبدًا أنني سأعيش هذا الألم، كان يعلمني دائمًا كيف أكون قوية، كيف أواجه الحياة، لكن لم أكن أظن أنني سأكون مضطرة لأن أعيش هذا الوجع بدون وجوده". 

ولكن صدمة فقدان زوجها لم تكن هي المرة الأولى التي تواجه فيها الموت، ففي عام 2014، فقدت والدها في نفس الظروف القاسية، لكن فقدان الزوج كان أكثر قسوة، "فقدت والدي في الحرب السابقة، ولكن فقدان الزوج هو الأصعب، خاصة مع وجود أربعة من الأبناء الذين يحتاجونني أكثر من أي وقت مضى، أنت لا تتخيل كم هو مؤلم أن تفقد شريك حياتك، فكان عوضًا عن الأب ويشاركني أحلامي، ويحمل عني هموم الحياة". 

وتضيف أم رياض: "كما لا أخبركم عن وجع أبنائي بفقدان والدهم، فثلاثة منهم توأم أنجبتهم بعد إجراء عملية زراعة للأجنة، وكان يعينني في تلبية احتياجاتهم، ويبلغ أعمارهم ٩ سنوات وشقيقهم يصغرهم بعامين، وبصعوبة جاوزتهم وجع الفقد". 

ومع ذلك، ومع كل هذا الألم، لا يزال الأمل حاضرًا في قلبها، فلم تستسلم لتداعيات الحرب، بل كانت تواصل الحياة رغم فقدانها الكبير.  

وتتابع أم رياض كما تحب أن ينادى لها: "قبل أسبوع فقط من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، تم قصف منزلنا الذي كنت أنتظر اللحظة التي أعود فيها إليه، كان المكان الذي يجمعني بذكريات زوجي، وكانت ملابسه وابتسامته لا تفارق خيالي، عندما جاء القصف، كنت أشعر أن كل شيء ضاع، ولكن رغم ذلك، لا أستطيع أن أتخلى عن بيتي وأرضي". 

في تلك اللحظة شعرت بالانهيار وكأن كل شيء ضاع منها، إلا أن ابنها زياد أنقذها من حالة الضياع بكلمات البسيطة "ما تنقهري ماما راح نبنيه من جديد". 

ورغم معاناتها، لم تفقد أم رياض الأمل في العودة إلى حياتها الطبيعية، "فلسطين هي أرضي، نعم مررت بأوقات صعبة، ولكن الأرض أغلى من كل شيء، علينا أن نبقى هنا، في هذا المكان، حتى لو كلفنا ذلك حياتنا هذا هو مهرها، وهذه هي أرضنا التي ولدنا عليها". 

ورغم كل الدمار في محيطها، ورغم الحياة التي تزداد صعوبة كل يوم، لا يزال قلبها ينبض بالإصرار والشجاعة والإرادة هي التي ستعينها في مواجهة كل الصعاب، تقول: "أنا هنا من أجل أبنائي، من أجل فلسطين، مهما فقدنا، لا يمكن أن نفقد الأمل في العودة والعيش بسلام على هذه الأرض".

اخبار ذات صلة