قائمة الموقع

​بـ"ابنة البحر".. هداية شمعون تدق ناقوس "المحرمات المجتمعية"

2017-10-26T06:21:36+03:00

"الأصباغ هنا وهناك، في كل مكان من حولي أحاول جاهدة ألا أهملها كي لا تتمرد على وجهي، السماء فارغة من فوقي، هي أيضا صبغت وجهها باللون الرمادي وأضافت له اللون الأبيض، لا يصلح اللون الأبيض للكثيرات حتى السماء ذاتها، لأنها فعلا لم تعد بيضاء دون أصباغ، البحر يمتد كسحاب أزرق، بالمناسبة حتى الرجال يضعون أصباغا، والبحر رجل".. بخاتمة كتابها هذه، تعلن الكاتبة والإعلامية الفلسطينية هداية شمعون عن إصدار مؤلفها الرابع، لكننا في حديثنا معها نبدأ بفتح صفحاتها للتعرف على تلك القصص، وطبيعتها، ودوافع كتابتها، ورسائلها من خلاله.

"ابنة البحر" مجموعة قصصية كُتبت بأنامل الكاتبة شمعون على مدار عامٍ بأوقات مختلفة، تتناول قضايا متنوعة، جمعها إطار واحد برسائل مجتمعية، فيها جزء من التحدي للكثير من "المحرمات المجتمعية"، النساء والفتيات هن الأكثر تضررا منها، بها هموم نسوية وشبابية وفلسطينية تنوعت ما بين الوجع الاجتماعي والسياسي.

شمعون، باحثة وإعلامية فلسطينية، عملت في عدّة وظائف، وتشغل حاليا بمنصب منسقة وحدة الرصد والدراسات في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، ولها أربعة مؤلفات، هي: "أنامل الروح تسبقني"، و"على باب الصمت"، ورواية "الحب لك والحرب لي"، و"ابنة البحر"، بالإضافة لعشرات الأبحاث المتعلقة بقضايا المرأة في المجتمع الفلسطيني.

لماذا "ابنة البحر"؟

أبحرت كلماتها في "ابنة البحر": "أعتز بهذه القصص، لأنها وُلدت في غزة أولًا، وثانيا هي المرة الأولى التي أحتضن فيه الكتاب مباشرة بعد الإصدار، إذ إن الرواية السابقة بعنوان (الحب لك والحرب لي) وصلتني بعد ستة أشهر من الإصدار نتيجة صعوبة السفر للحصول على نسخة".

خمس عشرة قصة، تضم عناوين جذابة، غاصت بها الكاتبة في الخيال، لكن بذات الوقت كان لتلك القصص أرجل على الأرض يعتقد القارئ من خلالها أنها واقعية، وفي جلسة حوار مع "فلسطين" قالت: "القصص بها مزج بين الخيال والواقع، قالت ما لم يُقل في لحظات فاصلة في الحياة".

"ابنة البحر" تتحدث عن فتاة تستطيع رؤية البحر كأنه رجل، والسماء كأنها امرأة، وتلك الفتاة بملامح شبابها تستطيع من خلال شعرها أن تدخل بممر سري، فتكتشف سرا بينهما، أنه ثمرة لحب يخفونه عن العالم، والنقيض هنا، والكلام لشمعون، "أن البشر يذهبون للبحر ليشكوا إليه همومهم، رغم أنه يحمل همًا أكبر منهم وكذلك السماء".

في الخلاصة، يكتشف القارئ أن العقدة تتمثل بأن الفتاة تكتشف أنها بلا أب، وهذه القصة تناقش قضية صعبة في المجتمع تحمل اسم" لقيط"، فرغم اندماجه بالمجتمع، لكنه في مرحلة النضوج يواجه قسوة الحياة والمجتمع حول هوية الأب.

ما المميز في "ابنة البحر" ليكون عنوان الكتاب باسمها؟ ترد شمعون على سؤالنا: "شعرت أن ابنة البحر تحتضن كل القصص التي قبلها وبعدها في الكتاب، من ناحية الفكرة والتوصيف، وبها انعكاس على كل القصص، فهي تحاول أن تبحث عن مساحة أمل طوال الوقت، وعن محطة أخرى نجدد فيها حياتنا، كذلك رمزية الاسم وامتداد البحر الذي يستطيع احتضان كل شيء، فرغم كل وجعه يتحمل كل آلام البشرية".

تناقش إحدى القصص "العلاقة المعقدة بزواج زوجة الشهيد من شقيقه"، تتحدث أخرى عن "زواج الفتيات المبكر، فبدل أن تكون يد الزوج الحضن الدافئ تكون للعنف الجسدي".

"موج رحيم" قصة تظهر معاناة الصيادين بفعل ممارسات الاحتلال، و"المنجل" مهداة لأسيرة محررة قابلتها الكاتبة، وعلقت في ذاكرتها، تقول عن ذلك: "موج رحيم تروي تعذيب الأسيرات بطريقة مختلفة، بها رمزان الأول أنه كيف كانت الأسيرة تهذب شعرها الطويل وتسرحه، ولكنه يصبح أداة للتعذيب ويُجزّ كالشعب، فتظهر بشاعة الاحتلال حينما تقف الأسيرة أمام المرآة وهي لا تستطيع أن تستوعب بأن الصورة المنعكسة لها".

"ضحك ثم بكى"

"كم مرة فتحت سحابًا يا عم..؟".. قالت الصغيرة ببراءة وهي تعلق حلوى على شكل ديك أحمر اللون، تلتفت إليه وتصمت حين تغوص بملامح وجهه العجوز.. توقف الزمن عند صدى صوتها الرقيق، تراخت أفكاره وتمدد مجونه تسارعت أنفاسه (..) سقطت يده إلى جواره حين شق سيف كلماتها المتبقية على جدار الصمت في صدره.

الفقرة السابقة، كانت جزءًا من قصة بعنوان "ضحك ثم بكى"، تعلق شمعون عليها، بأنها من أكثر قصصها قسوة، تتحدث عن الاعتداء الجنسي على الأطفال من كبار السن، لتحذر المجتمع من الصمت تجاه هذه القضية.

تقول شمعون: "القصص تحتوي على رسائل أخرى تدعو إلى اكتشاف الذات وفهمها، وأخرى للأهل باحتضان الأولاد، فالحياة تستحق أن نرى الأشياء ونعدّلها، ومحاولة رؤية الآخر الذي قد يكون عدونا أو صديقنا ولكن لا نلمس روحه، فنساعد بعضنا في ملامسة تلك الروح".

مرة أخرى تعود بنا الكاتبة إلى المزج بين الخيال والواقع، وهذه المرة في قصة بعنوان "طريق طويل وحائط متسخ" تتحدث فيها عن البشر الذين يستندون عليه، ويرمون القمامة ويحرقون الأوراق أو الإطارات التي تغير لونه، بينما الحائط يشعر بوجع المارّة، وهي دعوة للإنسان بألا يقسو على ما ينفعه.

قصة "قرب الطريق" تسلط الضوء على معاناة ذوي الإعاقة، عبر الحديث عن طفلة بكماء فقدت والدتها وعاشت عند جدتها، وتتحدث عن ذوي الاعاقة، وتتطرق لفقد الأحبة في قصة "ضياء"، ذلك الطفل الذي فقد والدته.

لم تغفل الكاتبة في قصتها "ذات صباح كنت أغني" استرجاع ذكريات أليمة متمثلة بعدوان الاحتلال على غزة عام 2014م، "فرغم القذائف والصواريخ، هناك حلم بأن نستيقظ ونسمع صوت العصافير وهي أمنية لا يشعر بها إلا كل فلسطيني"، على حد قولها.

"الكتابة بحد ذاتها فعل للحياة وطوق النجاة، تعني النور والحرية"، هكذا تصف علاقتها مع القلم.

تُقلب صفحات الكتاب في جلسة الحوار التي استمرت نصف ساعة، لتجيب عن سؤالنا حول دوافع الكتابة، قائلة: "أحيانا في وقت الراحة أو الضغط، أشعر أن كلمة أو قصة مرت علي مرور الكرام، ثم يعلق في ذهني شيء معين يظل يتشكل بداخلي حتى يصل درجة النضج التي أستطيع فيها رؤية صورة معينة".

اخبار ذات صلة