رغم أن المدة المتبقية لانتهاء محكوميتها لم تكن تتجاوز ثلاثة عشر يومًا، فإن خبر شمول اسمها في صفقة "طوفان الأحرار" كان بمثابة ولادة جديدة للمحررة حليمة فائق أبو عمارة من مدينة نابلس. الفرحة التي غمرت قلبها لم تكن لأنها خرجت بقرار الاحتلال الإسرائيلي، بل بفضل المقاومة الفلسطينية التي فرضت شروطها لتحريرها مع الأسرى.
تتحدث أبو عمارة عن مشاعرها التي عجزت عن وصفها بعد نيل حريتها، قائلة: "لم نكن نعلم عن إتمام اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة الأسرى إلا قبل يومين فقط من تحررنا. كان الاحتلال يتعمد إخفاء الأخبار عنا، لكن منذ ذلك اليوم بدأنا ننام ونحن نرتدي ملابسنا، مستعدات للخروج في أي لحظة".
وتضيف لـ "فلسطين أون لاين": "فرحتنا لم تكن فقط بنيل الحرية، بل أيضًا بانتهاء الحرب على غزة، التي قدمت كل ما تملك من أجل فلسطين والقدس والأسرى".
فصل الاعتقال القاسي
تعود أبو عمارة بذاكرتها إلى يوم اعتقالها الذي قلب حياتها رأسًا على عقب. في ليلة حالكة السواد، بتمام الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، اقتحمت قوات الاحتلال منزل عائلتها. كان ذلك في الثالث من مارس/ آذار 2024، حين بدأ فصل جديد من معاناتها استمر عشرة أشهر ونيف.
تروي أبو عمارة كيف داهم الجنود المنزل، وأمروا جميع أفراد العائلة بالتجمع في غرفة واحدة، قبل أن يطلبوا منها تسليم بطاقتها الشخصية وحقيبة الجامعة. تضيف: "في لحظة الاقتحام، لم أتمكن من ارتداء حجابي. وضعت غطاء النوم على شعري، لكن والدتي أصرت أن أرتدي ملابس دافئة قبل الخروج".
كانت أبو عمارة تدرس في كلية الشريعة، تخصص أصول الدين، في عامها الدراسي الثاني بجامعة النجاح. مع اعتقالها، وجدت نفسها مضطرة لتأجيل دراستها عامًا كاملًا، بينما كانت ظروف الاعتقال تقيد حياتها الشخصية والتعليمية.
وتوضح أنها خضعت لجلسات استجواب قاسية، ووجهت إليها تهمة "التحريض"، مع تمديد اعتقالها عدة مرات قبل الحكم عليها بالسجن لمدة أحد عشر شهرًا في نهاية ديسمبر.
وتلفت إلى أنها حرمت طيلة فترة اعتقالها من زيارات أهلها، ما دفع عائلتها للاعتماد على الأخبار التي ينقلها الأسرى المفرج عنهم للاطمئنان عليها.
صفقة الحرية
تصف أبو عمارة اللحظات الأخيرة التي سبقت تحريرها بأنها كانت مزيجًا من الترقب والفرح، خاصة أن الخوف من غدر الاحتلال كان يرافقها طوال فترة اعتقالها.
وفي يوم الأحد، 19 يناير الجاري، خرجت أبو عمارة ضمن صفقة "طوفان الأحرار"، التي أعادت لها حريتها بعد أشهر من القهر والمعاناة. تقول: "كل لحظة ألم عشناها داخل السجون كانت تخلق فينا أملًا أكبر بالحرية. واليوم أشعر أن هذا الانتصار الذي أهدته لنا المقاومة أكبر من أي فرحة".
بعد أن عادت إلى عائلتها في نابلس، تؤكد أبو عمارة أنها عازمة على استكمال دراستها وتعويض ما فات، وأن كل لحظة معاناة عايشتها داخل السجون ستبقى شاهدًا على إرادة لا تنكسر.
تختم أبو عمارة حديثها برسالة شكر للمقاومة الفلسطينية التي صنعت هذا الإنجاز، مؤكدة أن تحرير الأسرى من سجون الاحتلال هو واجب وطني لا يمكن التهاون فيه، وأن الحرية حق لكل فلسطيني ما دام الاحتلال قائمًا.