فلسطين أون لاين

الفارس الغفري.. علاقته بالخيل تبدأ بالحديث معها

...
الفارس عبد الله الغفري
غزة - يحيى اليعقوبي

في جولة له على شاطئ البحر برفقة صحفيين أجانب أعدوا فيلما عنه، لفتت موهبة الفارس عبد الله الغفري في ترويض الخيول والقيام بحركات غريبة وخطيرة بالتقلب على ظهر الخيل، انتباه صحفية كندية من بين الفريق، فسألته: "ما هو طموحك؟".. تسأله وتريد أن تعرف أقصى مدى لتفكير وطموحات الفارس الغزي الشاب، فردّ الفارس الواثق من نفسه: "أنا شاب عربي من فلسطين، أطمح بتمثيل بلدي بهذه الرياضة في سباقات دولية".

لم يكن الجواب غريبا عليها، فهي تعلم مستوى التحدي عند شباب غزة، لكنها ردّت: "حرام تضل هنا.. بتحب أساعدك؟".. قالتها تلك الصحفية التي تمتلك خيلا في كندا، وعرضت على الغفري إلحاقه بدورات هناك ومنحه شهادات رسمية ليكون في المستقبل رياضيا بارزا، ومدربا في سباق الخيل.

زوّدها ببياناته كاملة، وظنّ أن الأمر انتهى بانتهاء الحوار، لكنها اتصلت به عندما عادت إلى بلدها، وأرسلت له دعوة كما وعدته، إلا أن ظروف معبر رفح حالت دون سفره، فلم يتوجه إلى كندا، ولا إلى سباقات دُعي للمشاركة فيها في سلطنة عمان وفي الإمارات العربية المتحدة.

يمرر شريط ذكرياته ليعود به إلى طفولته، حينما قام والده الذي كان يمتلك اسطبلًا للخيول في السعودية، بتعليمه ركوب الخيل، يصف تلك اللحظة: "كنت خائفا في البداية، لكن بعدها أصبحت امشط شعر تلك الخيول، ورغم أن خيلا رفسني في فمي عندما كان عمري سبع سنوات إلا أنني لم أخف ولم يتوقف حبي للخيل".

لم ينته من الكلام عن لحظات طفولته في حديثه مع "فلسطين" بعد، إذ يقول: "في تلك الفترة أيضا تعرضت لضربة من أحد الخيول، وذهبت حينها إلى المستشفى، فطلب مني والدي الكف عن ركوب الخيل، ولكني استمررت في ذلك، ولما صار عمري أحد عشر عاما أصبحت فارسا حقيقيا يستغرب الناس مما أقوم به من حركات".

منعطف قاسٍ

كان الغفري يقدم معظم عروضه بالخيل بها داخل نادي الجواد في غزة، ولكن قبل أربعة أعوام بدأ بالنزول إلى شاطئ البحر، حتى يرى الناس موهبته في التعامل مع الخيل والحركات الاستعراضية الغريبة، وقد كان يبهرهم بأدائه.

في بداية وجوده بغزة، بعد قدومه من السعودية، امتلك الغفري خيلا اطلق عليه اسم "فريجي"، وهذا الخيل بريطاني شارك في سباقات دولية باسم فارس أجنبي قبل أن يشتريه ضيفنا، وعلى مدار ثلاث سنوات استطاع أن يروّضه كي يقوم بالقفز عن الحواجز، فضلا عن المشاركة في سباقات السرعة، والقيام بالعروض التي يؤديها.

كلام كثير في جعبته عن حبه للخيل، يوضح بابتسامة واثقة: "انبهر الكثيرون بأدائي مع (فريجي)، لدرجة أنني قمت بعروض قفز الحواجز به دون أن أُلبسه العدة المطلوب إلباسها للخيل قبل عملية القفز، وشاركت فيه بعروض فردية، وكان يقفز بالإشارة، حينها كرّمني الاتحاد الفلسطيني للفروسية على ذلك كأفضل فارس".

"عبد الله بيركن على الخيل، إن مات بينتهي".. هذه الجملة سمعها من البعض، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فكما يبين: "قام أحدهم بتسميم الخيل (فريجي)، لأنه موجود في النادي الخاص بالخيول ويستطيع أي شخص الوصول إليه، وهناك من لم يحب لي الخير"، موضحا: "استدعيت أطباء بيطريين، وأجروا للخيل التحاليل اللازمة، وأكدوا لي أنه قد تم تسميمه".

لكن ما حدث بعد ذلك كان غير مألوف، فقبل نصف ساعة من موت الحصان، حدث ما لم يتوقع الفارس الغزي، يتحدث الغفري عن هذه اللحظة: "جاءني (فريجي) وألصق رأسه بجسدي وكأنه يضمني نحوه، ثم نام على الأرض ورفع يديه، ففهمت أنه يريد مني أن أجلس بقربه".

وأمام هذه المحطة الأليمة في رحلة الغفري مع (فريجي)، استمر بوضع رأس الحصان على رجليه وهو جالس أرضا لنحو نصف ساعة..

الساعة الثانية فجرا ينادي حارس الاسطبل على عبد الله: قُم، مات الحصان.

لم يستوعب الفارس الشاب أن خيله الذي أحبه وكان رفيقه مات فعلا، فيتساءل: كيف مات؟ كان يتحرك وشعرت بذلك.

لم تنفع كل محاولات إنعاش الخيل، أو حتى مناداة الغفري له بعدم تركه، وظل صاحبه حزينا على فراقه لفترة، إلا أنه لاحقا اشترى خيلا آخر أسماه "ألفا روميو".

يتحدث عن المرحلة التي بدأ فيها بالنهوض مرة أخرى في عالم الخيول بعد موت خيله السابق: "استطعت ترويض (ألفا روميو) في غضون شهرين، وأحببته، ثم اشتريت خيلا آخر أسميته (برهان)، وهو أسباني خاص بالترويض على الأرض".

وهكذا بدأ عبد الله مرحلة جديدة في حياته وحبه للخيل، وإن صح التعبير جنونه بها، فما يقوم به من عروض هي بالنسبة لغيره حركات خطيرة قد تكلفه كثيرا إن أخطأ.

لمزيد من الصور الخاصة بالفارس الغفري.. انقر هنا


علاقة تثير الدهشة

ما هي علاقتك بالخيل؟ إجابة سريعة ومختصرة ولكن لها دلالة: "الخيل عشق بالنسبة لي"، مبينا: "أي حصان أتعامل معه أجعل بيني وبينه ثقة، فأكلمه أثناء تدريبه، إضافة إلى الإشارات، وأطعمه بيدي لتزيد روابط العلاقة بيننا".

تلك العلاقة أثارت استغراب البعض، فتساءل المندهشون منها: "أنت بتكلم حصان.. يعني بتكلم حيوان؟!".. وفي الحقيقة أن هذا الشكل الغريب من العلاقة هو ما كان يستطيع الغفري من خلاله أن يروّض الخيول.

بابتسامة طاغية على نبرة صوته، استرجع الغفري موقفا من ذاكرته: "كنت في إحدى المرات أقود الخيلين (برهان) و (ألفا روميو) على شاطئ البحر، وفجأة ابتعد عني برهان، فناديت عليه عندما شعرت أنه غاضب مني، وبعد مناداته لعدة مرات، جاءني ورفع يديه ووضعهم على كتفي وظل يلامس جسدي برأسه".

وفي ذات مرة، اشترى فارسٌ آخر فرسا أبيض وطلب من ضيفا أن يروضه، كان تحديا بالنسبة له، يقول عن ذلك: "لم أضع في ذلك الخيل لجاما، وصعدت على ظهره لفترة من الوقت، وكنت أحدثه وألامس جسده، وبهذا تمكنت من جعله ينبطح أرضا، فاستغرب ذلك الرجل".

وفي تحدٍّ كبير له قلّما يستطيع أي فارس فعله، استطاع الغفري أن يقود أربعة خيول دفعة واحدة، للرد على ما وجهه إليه أحدهم عندما قال: "عبد الله بيركن على خيوله"، موضحا: "كان هدفي قيادة أربعة خيول، وحينما أخبرت والدي قال إنه يستحيل فعل ذلك، لأن الخيل ستصطدم ببعضها".

إلا أن عبد الله نجح في السير بهم لمسافة على شاطئ البحر، بعد أن قام بترويض خيلين وقيادتهما معا، وحينما تأكد من انسجامهما، أحضر خيلين آخرين وبنفس الطريقة استطاع أن يقود الأربعة الأمر الذي آثار دهشة كل من شاهده.

كانت لحظة مخاطرة جميلة بالنسبة له، يستذكرها مبتسما: "ما أقوم به هو أصعب رياضة في عالم الفروسية، خاصة قيادة أربعة خيول، فهذه مخاطرة، وقد فعلت ذلك بحذر لأن الخيل من الممكن أن يغدر في بداية التعامل معه، وحينما تأكدت من الثقة بيني وبينهم قدتهم بسهولة".

شارك الغفري في القطاع في أربعة سباقات سرعة لمسافة 1200 متر، وحصد المركز الأول، مبينا: "لم أشارك في سباقات قفز الحواجز في غزة لأن المدربين ينظرون إلي كمدرب مثلهم، ومن يشارك في العروض شبان صغار، لكني أقوم بعروض فردية في القفز أمام الناس كل شهر، وأطمح للمشاركة في مسابقات قفز دولية".