وقف الثلاثيني أحمد أبو حمام مصدوماً أمام منزل عائلته المكون من طابقين، بالقرب من نقابة المهندسين غربي مدينة غزة، والذي كان قد تحول إلى ملاذٍ لعدد من العائلات النازحة من مخيم جباليا شمالي القطاع.
بعد إعلان وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في العاصمة القطرية الدوحة مساء الأربعاء، شنت قوات الاحتلال غارة جوية على منزل عائلة أبو جليلة، المكون من طابقين، والذي كان يضم عائلات نازحة من مخيم جباليا، بينها عائلات "المقيد، والبهتيني، وأبو قمر، والبردويل". وأسفر القصف عن استشهاد أكثر من 20 شخصًا، معظمهم من النساء والأطفال.
مجزرة جديدة
بدا وجه أبو حمام شاحبًا وهو يتنقل بين الأنقاض، حيث سُويت العديد من المنازل بالأرض، وانبعثت منها رائحة البارود والموت.
عندما لامست قدماه أنقاض المنزل المدمر، شعر بعبق الدماء في المكان. على جدران المنازل المدمرة، كانت آثار الدماء تروي قصة دمار هائل عانى منه المدنيون الذين عاصروا تلك اللحظات المريرة، بينما كان العالم منشغلاً بخبر وقف إطلاق النار.
ومنذ لحظة الإعلان عن الاتفاق، ارتكب جيش الاحتلال سلسلة من المجازر بحق المدنيين في قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد نحو 80 شخصًا وإصابة أكثر من 250 آخرين، وفقًا لجهاز الدفاع المدني في غزة.
ورغم إعلان وقف إطلاق النار، استمرت أعداد الشهداء في الارتفاع، بينما تواصل فرق البحث جهودها باستخدام أدوات بدائية لانتشال الجثث من تحت الأنقاض، بعد أن توقفت المعدات الثقيلة عن العمل بسبب نقص الوقود والإمكانيات.
انهمك أبو حمام في البحث عن شقيقته سمر المقيد وعائلتها تحت الركام، قائلًا بغصة: "شقيقتي وزوجها وأطفالهم كانوا ينتظرون بفارغ الصبر إعلان وقف إطلاق النار، حتى يتمكنوا من العودة إلى منزلهم في مخيم جباليا. كانوا يعتزمون نصب خيمة على أنقاضه، لكنهم رحلوا جميعًا قبل أن يتحقق ذلك".
ويتساءل أبو حمام بغضب: "كيف يمكن أن يستهدف هذا المنزل؟! كيف يُستهدف مدنيون نزحوا من مناطق أخرى بحثًا عن الأمان؟! من المسؤول عن هذه المجزرة؟! وأين العالم مما يحدث في القطاع؟!"، مطالبًا المجتمع الدولي بالتحرك لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه.
جثث عالقة
بينما كان أحمد يواصل البحث عن عائلته، بدأ محمود أبو جليلة وبعض الجيران باستخدام مطارق حديدية لتحطيم سقف المنزل المدمر، على أمل انتشال جثث أخرى عالقة تحت الركام.
وقال أبو جليلة لـ"فلسطين أون لاين": "حينما أعلن عن وقف إطلاق النار، ظننا أنه سيجلب لنا بعض الراحة، ولكن سرعان ما تحولت لحظات الأمل إلى جحيم جديد. فقد استهدفت صواريخ الاحتلال المنطقة دون رحمة، وكأن الحرب قد بدأت من جديد".
وأضاف: "الدمار الذي لحق بالمربع السكني كبير جدًا، والعديد من المنازل المجاورة دُمرت بشكل كامل، ما يوضح حجم الصواريخ التي استُخدمت. هذا الاستهداف لم يكن مجرد قصف عادي، بل كان رسالة قتل جماعية".
ويشدد أبو جليلة على أن هذه المأساة ليست حادثة منفردة، بل جزء من سلسلة مجازر استهدفت المدنيين في قطاع غزة، متسائلًا بغضب: "أين العالم؟! أين الإنسانية؟! لماذا لا يوقفون هذا العدوان؟! لماذا لا يتحركون لإنقاذ أرواح الأبرياء؟!".
ويضيف أن العديد من الأهالي في المنطقة أصيبوا، فيما لا تزال جثث عالقة تحت الأنقاض، ما يجعل الوصول إليها صعبًا. كما أن فرق الدفاع المدني، رغم جهودها الكبيرة، تواجه صعوبات هائلة بسبب نقص المعدات والوقود، مما يجعل عملية الإنقاذ أبطأ وأكثر تعقيدًا.
وارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى 46,788 شهيداً و110,453 إصابة، وفقًا لآخر الإحصائيات.
رغم إعلان وقف إطلاق النار، يبدو أن غزة لا تزال تعاني من ويلات الحرب، حيث تستمر المجازر وتزداد المعاناة الإنسانية، في وقت يتساءل فيه العالم: إلى متى ستستمر هذه المأساة؟