فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

تقرير عقوبات أمريكيَّة على المحكمة الجنائيَّة... محاولة لتعطيل محاكمة قادة الاحتلال

...
عقوبات أمريكيَّة على المحكمة الجنائيَّة... محاولة لتعطيل محاكمة قادة الاحتلال
غزة-بيروت/ محمد الأيوبي:

في خطوة أثارت موجة انتقادات واسعة، صادق مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، وذلك ردًا على إصدار المحكمة مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت. يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لحماية مجرمي الحرب الإسرائيليين من المحاسبة الدولية، مما يمثل تهديدًا صريحًا لاستقلالية العدالة العالمية.

ويهدف مشروع القانون الأمريكي، وفقًا لتحليلات حقوقيين، إلى ترهيب المحكمة الجنائية الدولية وإعاقة جهودها في محاكمة المتورطين في جرائم الحرب والإبادة الجماعية، بما في ذلك الجرائم المرتكبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي. ويُعتبر هذا التشريع تعبيرًا صارخًا عن ازدواجية المعايير الأمريكية، ودعمًا لإفلات مجرمي الحرب من العقاب.

ورغم محاولات الترهيب، أكد حقوقيون لصحيفة "فلسطين"، أن المحكمة الجنائية الدولية ستواصل عملها في ملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب، مشددين على أن التحدي الأكبر يتمثل في الحفاظ على استقلالية القضاء الدولي وضمان التزام المجتمع الدولي بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان.

تخوف من المحاسبة

أكد الحقوقي الفلسطيني فؤاد بكر، المقيم في لبنان، أن العقوبات الأمريكية تُظهر تخوف الولايات المتحدة من الملاحقات القانونية التي قد تطال جنودها المتورطين في جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وأشار بكر إلى أن هذه الخطوة تهدف بشكل أساسي إلى حماية الاحتلال الإسرائيلي وشركائه من المحاسبة الدولية، مما يهدد استقلالية القضاء الدولي.

وأوضح بكر أن الولايات المتحدة تُعتبر شريكًا أساسيًا في جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، كونها الداعم الأول للاحتلال على الصعيد المالي والعسكري والتقني، بل إن غرفة العمليات العسكرية للحرب تُدار من واشنطن نفسها

وأضاف أن العقوبات تستند إلى قانون مكافحة المحاكم غير الشرعية، الذي يمنع أي محكمة دولية أو محلية من محاكمة مواطنين أمريكيين أو حلفائهم خارج المحاكم الأمريكية. وأشار إلى أن العديد من ضباط جيش الاحتلال يحملون الجنسية الأمريكية، مما يبرز دوافع هذه الخطوة.

وحذر بكر من أن هذا القانون يشكل تهديدًا مباشرًا لموظفي المحكمة الجنائية الدولية، بهدف ترهيبهم ومنعهم من اتخاذ إجراءات أكثر جرأة. كما أنه يضغط على الدول الأعضاء في نظام روما الأساسي لعدم اعتقال نتنياهو وغالانت أو تسليمهما للمحكمة. وأشار إلى أن القرار قد يمهد الطريق لمجلس الأمن لتجميد التحقيقات لمدة سنة قابلة للتجديد، وفقًا لصلاحياته المنصوص عليها في نظام المحكمة.

تأثيرات خطيرة على العدالة الدولية

وأكد بكر أن هذا القانون ينعكس سلبًا على مستقبل المحاكم الدولية وهيبتها، خاصة فيما يتعلق باستقلالية القضاء. وأضاف أن هذه الخطوة تضرب روح العدالة الدولية التي لطالما تغنت بها الدول الأوروبية والأمريكية، مما سيؤدي إلى اهتزاز ثقة الشعوب بالمحاكم الدولية ونزاهة القضاء الدولي.

وعن إمكانية تراجع المحكمة الجنائية الدولية عن ملاحقة قادة الاحتلال، أوضح بكر أن مذكرات الاعتقال باتت سارية ولا يمكن التراجع عنها إلا في حال سحب المدعي العام أدلته، وهو أمر مستبعد. وأشار إلى أن أي تراجع من المحكمة سيضرب هيبتها أمام المجتمع الدولي، وسيكرس صورة أنها محكمة "دول العالم الثالث"، كما تطلق عليها الولايات المتحدة.

وشدد بكر على ضرورة إدراك المجتمع الدولي خطورة الموقف وعدم الرضوخ للإملاءات الأمريكية، محذرًا من أن أي رضوخ قد يؤدي إلى تمرد شعوب المنطقة وانهيار الثقة في آليات محاسبة المجرمين.

استخفاف بالقانون الدولي

من جانبه، اعتبر غاندي أمين، رئيس مجموعة "الحق والقانون للمحاماة والاستشارات الدولية"، أن مشروع القانون الأمريكي يمثل تصعيدًا خطيرًا في تعامل الولايات المتحدة مع المنظومة القانونية الدولية. وقال أمين: "لقد صُدمنا بهذا القرار الذي يعكس إصرار الولايات المتحدة على التصرف وكأنها هي القانون، متجاهلة الإرادة الدولية والمجتمع الدولي الذي ساهم في وضع ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية."

وأوضح أن هذا التشريع يعكس استخفافًا بالأطر الدولية التي تهدف إلى محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وأضاف: "قيام الولايات المتحدة منفردة بمعاقبة المحكمة الدولية يعد أمرًا مستهجنًا ومقلقًا للغاية، إذ يهدد مصداقية المؤسسات الدولية وقواعد القانون الدولي."

وأشار إلى أن القانون الأمريكي يوفر دعمًا ضمنيًا لجيش الاحتلال، ويشجعه على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين في قطاع غزة. وقال: "غياب العقوبات يعزز من جرائم الإبادة والوحشية، ويمنح الاحتلال شعورًا بالإفلات من العقاب، لكنه لا يمنحه مبررًا أخلاقيًا".

ورغم خطورة القانون الأمريكي، أكد أمين أن هذا التشريع لن يؤثر على عمل المحكمة الجنائية الدولية أو على الدول الموقعة على ميثاق روما. وشدد على أن جهود محاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم ستستمر، داعيًا المجتمع الدولي إلى الدفاع عن استقلالية المؤسسات الدولية ورفض محاولات تقويضها. 

يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها الولايات المتحدة المحكمة الجنائية الدولية. فمنذ صياغة نظام روما الأساسي، هدد المندوب الأمريكي بأن مصير المحكمة سيكون كمصير عصبة الأمم، التي رفض الكونغرس الأمريكي التوقيع عليها. كما هدد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2021 المدعية العامة السابقة للمحكمة فاتو بنسودا، على خلفية فتحها تحقيقًا في جرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة عام 2014، حيث تم تجميد حساباتها المصرفية ومنعها من السفر إلى الولايات المتحدة.