فلسطين أون لاين

"رسمية وروزان".. من قلب الركام يطلقن مبادرة لإعادة الحياة لعقول أطفال غزة

فلسطين أون لاين

بين الركام المتناثر والشوارع التي تحمل آثار الحرب الإسرائيلية، ووسط أصوات الدمار التي لم تهدأ، وصرخات الأطفال التي انطفأت مع أصوات المدافع، كان هناك صوتان مختلفان تمامًا عن كل هذا الصخب.

روزان إسليم ورسمية الدهشان، شابتان في العشرينيات من العمر، لم تنتظرا المساعدات ولا الوعود الزائفة بإعادة الحياة والإعمار، بل بدأتا مبادرة ذاتية لتعليم الأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، في محاولة لإحياء الأمل داخل العقول الصغيرة التي كادت أن تضيع في متاهات الجهل.

روزان، خريجة اللغة الإنجليزية، ورسمية، خريجة التعليم الأساسي، لم تكونا تعرفان بعضهما البعض، ولكن الحرب جمعتهما في إحدى المدارس التي نزح إليها المئات من المواطنين في مدينة غزة، وجمعتهما رغبة عارمة في تحقيق تغيير حقيقي في حياة الأطفال.

تقول روزان لصحيفة "فلسطين": "الحرب لم تدمر المنازل فقط، بل دمرت المدارس أيضًا، وحرمت الأطفال من أبسط حقوقهم في التعلم. أدركنا أن هناك جيلًا كاملًا سيخرج من هذه الحرب وهو يفتقر إلى أبجديات التعليم. لم نستطع الوقوف مكتوفتي الأيدي أمام هذا المشهد المؤلم".

وجدت الفتاتان ضالتهما في المدرسة التي أقامت مبادرة تعليمية، حيث كان يوجد بعض الطلبة الذين يعانون من صعوبات في التعلم وعدم القدرة على مواكبة أقرانهم، بسبب ضعف مستواهم العلمي وتأثير العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عام عليهم.

تقول رسمية لـ"فلسطين": "كان الأمر بسيطًا. ذهبنا للمسؤولة عن المبادرة وطلبنا مكانًا خاصًا. لم تعارض ورحبت بالفكرة، كما رحب بها الطلبة وذووهم الذين بمجرد انضمامهم لها جاؤوا ليشكرونا على ما نقوم به من أجل أبنائهم".

وتضيف رسمية: "الجميع يدرك ماذا يعني أن يفقد الطالب عامًا كاملًا من عمره دون دراسة. هذه الصفوف تأتي كطوق نجاة للطلبة الصغار الذين لم يعانوا من فقدان التعليم فقط، بل من آثار الحرب النفسية العميقة التي سببتها".

أمل جديد

والدة أحد الطلبة تشير إلى أن طفلها مصطفى، الذي كان من المفترض أن يكون في الصف الأول، فقد الفرصة في أن يتم تأسيسه في رياض الأطفال تمهيدًا للمدرسة بسبب الحرب. وتقول: "عام كامل ضاع على طفلي جعله غير قادر على معرفة الحروف أو طريقة كتابتها باللغتين العربية والإنجليزية".

وتضيف: "ابني كان فاقدًا للرغبة في الحياة بعد الحرب. كان يقضي أيامه في الشارع بلا هدف، ككثيرين غيره. ولكن بعد التحاقه بالدروس، بدأ يعود إلى البيت وهو يحمل دفتره بفرح. استعاد الأمل، وبدأت أرى في عينيه بريقًا لم أره منذ مدة".

المبادرة، ورغم أنها حديثة، إلا أن عدد الطلبة المنضمين إليها في ازدياد. بدأت بسبعة طلبة من المستويات الدراسية الأساسية، ولكن بعد ملاحظة تحسنهم، تشجع غيرهم من الطلبة على الانضمام لها والمشاركة فيها.

وتوضح روزان: "عند بدء المبادرة، كان الأطفال يأتون إلينا وهم لا يعرفون كيف يمسكون القلم. ولكن هذا الأمر بدأ بالاختفاء بعد أن شهدنا تحسنًا ملحوظًا عليهم والتزامًا بالحضور والمشاركة". وتؤكد أن الهدف من مبادرتهم لم يكن تعليم الأطفال المواد الدراسية فقط، بل إعادة بناء ثقتهم بأنفسهم، ومنحهم الأمل في مستقبل أفضل.

تحديات وإصرار

من جهتها، أكدت رسمية أنهم يحاولون توفير كافة الوسائل التعليمية اللازمة لتشجيع الطلبة على التعلم، من بطاقات ورسومات وهدايا. وتشدد على أن كل ما تملكه هي وروزان هو إرادة قوية بأن التعليم هو الحل الوحيد لإنقاذ هؤلاء الأطفال من الجهل.

الطفلة دنيا، من الصف الرابع، تقول: "كنت أخاف من المدرسة بسبب استهداف الاحتلال الإسرائيلي المستمر لها. ولكن الآن أحب أن أذهب إليها عند المعلمتين رسمية وروزان. لقد علموني كيف أقرأ وأكتب، ولم يعد أحد يسخر مني كالسابق".

وتأمل المعلمتان رسمية وروزان أن تجد مبادرتهما دعماً من المؤسسات المحلية والدولية لتوسيع نطاق عملها والوصول إلى المزيد من الأطفال المتضررين من الحرب.

وتقول روزان: "ما نقوم به هو واجب إنساني. غزة ليست فقط أرضًا للحروب، بل هي أرض مليئة بالعقول التي تستحق فرصة للتعلم والحياة الكريمة".

وتختم رسمية حديثها برسالة إلى العالم: "لا نريد مساعدات مؤقتة أو حلول آنية. ما نحتاجه هو استثمار في الإنسان، في التعليم، في الأمل، لأن الأطفال الذين نعلمهم اليوم، هم من سيعيدون بناء غزة غدًا".

مبادرة روزان ورسمية ليست مجرد فكرة عابرة، بل هي قصة إنسانية ملهمة تعكس صمود الفلسطينيين في مواجهة آلة الحرب والدمار. إنها رسالة مفادها أن التعليم هو أقوى سلاح لمقاومة الجهل والفقر والاحتلال.

اخبار ذات صلة