بعد مرور 15 شهراً على اندلاع حرب الإبادة في السابع من أكتوبر 2023، ما زالت معاناة عمال قطاع غزة تتفاقم وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
تسببت الحرب في دمار واسع للبنية التحتية وتوقف الأنشطة الاقتصادية، مما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة، وفقدان مئات الآلاف من العمال لمصادر رزقهم.
وفي ظل ظروف معيشية صعبة، يعبر العديد من العمال عن إحباطهم وألمهم من استمرار هذه الأزمة، مطالبين بحلول عاجلة تعيد إليهم كرامتهم ومصادر رزقهم.
معاناة يومية
يعاني العامل خالد عبد الله (55 عاماً) من ظروف معيشية قاسية منذ اندلاع الحرب، حيث كان يعمل في قطاع الإنشاءات في الداخل المحتل قبل أن يُعتقل ويتعرض للتعذيب على يد جنود الاحتلال، ليتم ترحيله لاحقاً إلى قطاع غزة.
وقال لصحيفة "فلسطين": "فقدت مصدر رزقي الأساسي، وتعرضت لظروف قاسية جعلتني أواجه ضغوطاً نفسية واجتماعية كبيرة، حيث أصبحت عرضة للصدمات النفسية بسبب الوضع الراهن".
وأشار إلى أنه يقيم مع أسرته المكونة من عشرة أفراد داخل خيمة في وسط قطاع غزة، وأصبح يعتمد بشكل كامل على المساعدات الإنسانية التي بالكاد تكفي لتلبية احتياجاته الأساسية.
وأضاف: "نعيش في ظروف مأساوية، فلا أستطيع توفير احتياجات أطفالي وأفراد عائلتي، والحياة أصبحت أصعب من أي وقت مضى".
تدمير مصادر الرزق
وكان العامل سمير النحال (42 عاماً) يعمل في مصنع لإنتاج البسكويت في دير البلح وسط قطاع غزة، حيث كان مصدر رزقه يعتمد بشكل كامل على هذا العمل. إلا أن الحرب الأخيرة أدت إلى تدمير المصنع بشكل كامل، مما تركه عاطلاً عن العمل.
وقال النحال لـ"فلسطين": "فقدت عملي بعد تدمير المصنع، وأنا الآن في وضع صعب للغاية. لا أستطيع تأمين قوت يومي أو تلبية احتياجات عائلتي، ولا نعرف متى سنتمكن من العودة إلى العمل".
وفقاً لتقرير مشترك بين البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بلغت قيمة الأضرار في البنية التحتية حوالي 18.5 مليار دولار حتى يناير 2024.
وشهد قطاع غزة ارتفاعاً حاداً في معدلات البطالة، حيث بلغت 79.1%، مما يعكس انهياراً شبه كامل لسوق العمل.
أثر كارثي
من جانبه، أكد عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، د. سلامة أبو زعيتر، أن العمال الفلسطينيين يمثلون العمود الفقري للاقتصاد المحلي، حيث يعتمد المجتمع بشكل كبير على الأجور التي يتقاضاها العمال كمصدر دخل رئيسي لتحسين مستوى معيشتهم.
ومع ذلك، فإن الحرب والعدوان المستمر على قطاع غزة كان لهما أثر كارثي على أوضاعهم، حيث فقد أكثر من 500 ألف عامل وظائفهم، ما أدى إلى تفاقم الضغوط النفسية والاجتماعية عليهم وعلى أسرهم.
وأشار أبو زعيتر إلى أن النزوح المتكرر للعمال وأسرهم، إضافة إلى تدهور الظروف المعيشية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، زاد من معاناتهم. وأوضح أن العمال يعانون من ارتفاع الأسعار الذي تجاوز عشرة أضعاف الأسعار الطبيعية، مما أثقل كاهلهم وجعلهم غير قادرين على تلبية احتياجات أسرهم الأساسية.
وأضاف أن العمال الذين تمكنوا من الحصول على فرص عمل يواجهون مشكلات تأخر الأجور، ما أثر على قدرتهم الشرائية وزاد من صعوبة تأمين احتياجاتهم اليومية. كما أن الإقامة في مراكز الإيواء ومخيمات النزوح غير اللائقة وصعوبة الحصول على المساعدات الإغاثية زادت من معاناتهم، مع عدم توفر الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.
ودعا أبو زعيتر إلى ضرورة تدخل الجهات المعنية لتخفيف معاناة العمال، مشدداً على أهمية تقديم مساعدات إغاثية دورية للعمال وأسرهم وخلق فرص عمل عاجلة تساهم في التخفيف من البطالة.
كما دعا إلى توفير الاحتياجات الأساسية للعائلات النازحة ومكافحة الغلاء وجشع التجار من خلال مراقبة الأسعار ودعم السلع الأساسية.
وأكد أن تحسين أوضاع العمال يتطلب تضافر جهود مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والنقابات والقطاع الخاص والحكومة، مع أهمية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لتعزيز صمودهم في مواجهة تداعيات العدوان المستمر.