في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون في قطاع غزة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة، برزت حلقات تحفيظ القرآن الكريم كمنارة أمل وطمأنينة، حيث يتوافد إليها الرجال والنساء والأطفال طلبًا للسكينة والاطمئنان.
وتشهد مخيمات النزوح في قطاع غزة إقبالًا كبيرًا على حلقات تحفيظ القرآن الكريم، التي تنظمها مؤسسات دينية مختلفة، أبرزها دار القرآن الكريم والسنة.
وتشير مشرفة منتدى الحافظات في مدينة رفح والنازحة في خان يونس، أم معاذ أبو جزر، إلى أن الدار ليست الوحيدة من المؤسسات القرآنية التي تستهدف مخيمات النزوح حاليًا، لكنها توجه أنشطتها لجميع الفئات العمرية والنازحين من كل مناطق قطاع غزة دون تمييز.
وتفسر أبو جزر الإقبال الكبير للنازحين على الحلقات بالفراغ الكبير الذي يعانون منه، فيبحثون عمّا يشغلون أوقاتهم به، فكثيرون منهم شرح الله صدورهم لحفظ القرآن.
وتوضح أبو جزر أنه في بداية الحرب وأثناء تمركز أغلبية النازحين في رفح، لم يكن الإقبال شديدًا، فقد كان الناس يعانون التيه ويؤملون أنفسهم بأن الحرب لن تطول، فلم يكن لديهم توجه للارتباط بأي أنشطة في أماكن نزوحهم.
ولكن بعد أن طالت مدة النزوح، أصبح الإقبال الآن كبيرًا جدًا على مراكز التحفيظ التابعة للمؤسسات القرآنية المختلفة. وتضيف: "بدأ إنعاش مشروع التحفيظ بجهود فردية من المحفظات اللاتي شرعن بتحفيظ القرآن في خيامهن الشخصية، ثم أخذ العمل يصبح أكثر تنظيمًا بتخصيص خيمة أو اثنتين بتبرع من أهل الخير في كل مخيم لهذا الغرض".
ويعتمد الإعلان عن هذه الأنشطة على الجهود الشخصية للمحفظين الذين يتوجهون إلى أي مناطق تجمع في المخيمات، كنقاط تعبئة الغاز والمياه، ويعلنون خلالها عن نشاطات التحفيظ.
وتعمل "دار القرآن الكريم والسنة" على متابعة نشاطات التحفيظ التابعة لها من خلال المدراء ولجان الجودة، وعقد اختبارات رسمية للحافظين، وتقديم مكافآت مادية رمزية للحلقات الأكثر إنجازًا.
ولا يقتصر النشاط على التحفيظ فقط، بل يتدرج من دورات "القاعدة النورانية" إلى دورات الأحكام، ثم البدء بحفظ جزئي "عم" و"تبارك" كمرحلة تمهيدية، ثم خمسة عشر جزءًا آخر كمرحلة تأهيلية، وصولًا إلى المرحلة العليا وختم حفظ القرآن كاملًا.
وخلال سبعة أشهر من النشاط المنظم، خرجت الدار عددًا كبيرًا من الخريجات من دورات التحفيظ والأحكام، بالإضافة إلى وجود حلقات لتلقين القرآن وأخرى لحفظ وشرح الأحاديث الأربعين النووية.
كما تعتني "دار القرآن" بخريجات "صفوة الحفاظ" من السنوات السابقة بشكل خاص، حيث تعقد لهن مجالس أسبوعية خاصة لتدارس جزء كامل من القرآن لتثبيت حفظهن.
وتشير أبو جزر إلى أن معظم مراكز التحفيظ تعقد مجالس للتفسير والوعظ تستهدف طلاب التحفيظ وعموم أهل المخيمات. وتضيف: "النشاطات تختلف من مخيم لآخر حسب توفر الكفاءات فيه من محفظين ووعاظ. فعلى مستوى محافظة رفح، مثلًا، يبلغ عدد المحفظات المثبتات مئة، يساعدهن خمسون متطوعة".
وتضج أرجاء مخيمات النزوح بأصوات القارئين للقرآن في حلقات السرد، حيث يسرد البعض جزءًا أو أكثر أو القرآن كاملًا في جلسة واحدة.
ومع ذلك، تواجه هذه الجهود عقبات، منها عدم القدرة على توفير خيام خاصة للتحفيظ في بعض المخيمات، ما يشكل عبئًا كبيرًا على المحفظة التي تضطر لاستقبال عدد كبير من الحافظات على دفعات في خيمتها، فلا تستطيع العيش بشكل طبيعي.
وتضيف أبو جزر: "نعاني أيضًا من مشكلة نقص المصاحف، حيث اضطررنا للبحث عنها تحت الأنقاض، وغالبًا ما تكون ممزقة، فيما يصعب طباعة أجزاء من القرآن بسبب غلاء أسعار الطباعة وعدم توفر الورق".