شكّلت العملية الفدائية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية قرب قلقيلية شمال الضفة الغربية المحتلة، والتي أدت إلى مقتل 3 مستوطنين وإصابة 7 آخرين بجروح، ردًا عمليًا على سياسة التوحش والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. كما أكدت أن لا أمن ولا استقرار للاحتلال ومستوطنيه دون الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وقتل ثلاثة مستوطنين إسرائيليين وجرح سبعة آخرون على الأقل إثر تعرض حافلة إسرائيلية لإطلاق النار قرب قرية الفندق بجانب مدينة قلقيلية، شمال الضفة الغربية المحتلة. وقد حظيت العملية بإشادة واسعة من فصائل فلسطينية وصفتها بأنها "رد بطولي" على الجرائم المتواصلة وحرب الإبادة التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، وكذلك على مخططات التهجير في الضفة الغربية.
وعقب العملية، أطلق وزير المالية في حكومة الاحتلال، بتسلئيل سموتريتش، تصريحات تصعيدية اليوم الإثنين، دعا فيها إلى التعامل مع مدن شمال الضفة الغربية، مثل قلقيلية ونابلس وجنين، بالطريقة ذاتها التي تتعامل بها (إسرائيل) مع جباليا شمال قطاع غزة.
المقاومة حاضرة
الخبير في الشأن الإسرائيلي، الدكتور علي الأعور، رأى أن توقيت العملية جاء في لحظة دقيقة ليكون ردًا عمليًا على سياسة نتنياهو، الذي يماطل في صفقة تبادل الأسرى ويتلاعب بمشاعر أهالي الجنود الإسرائيليين في قطاع غزة. كما اعتبرها ردًا على سياسة التوحش والإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال في قطاع غزة، من تدمير البيوت ومسح المدن بأكملها.
وقال الأعور لـ"فلسطين أون لاين" إن العملية الفدائية تجسد رفضًا واضحًا للتوسع الاستيطاني وسياسات التهويد التي يقودها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش.
وأوضح أن العملية تؤكد أن المقاومة في الضفة الغربية موجودة وليست منفصلة عن غزة، وأنها ستشكل سدًا منيعًا أمام المشاريع الإسرائيلية، وهي جزء لا يتجزأ من المشروع الوطني الفلسطيني. وأضاف أن المقاومة تعمل على توحيد الموقف الفلسطيني في مواجهة مشاريع الاحتلال، مشددًا على أن الشعب الفلسطيني لن يقبل الاقتتال الداخلي أو تعميق الانقسام.
وأشار إلى أن هذه العملية تحمل رسائل متعددة للإسرائيليين، مفادها أن الأمن والاستقرار لن يتحققا دون الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأن مشاريع الضم والتوسع ستواجه بالمزيد من المقاومة.
ولفت إلى أن المجتمع الإسرائيلي يشهد حالة من التصدع الداخلي، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن 70% من الإسرائيليين يطالبون بالانسحاب من غزة وإبرام صفقة تبادل أسرى، محملين نتنياهو مسؤولية استمرار الحرب وإطالة أمدها.
واختتم الأعور حديثه بالتأكيد على أن المقاومة الفلسطينية ستبقى سدًا منيعًا أمام مشاريع الاحتلال، مشددًا على أن الاحتلال والاستيطان لن يمرا دون مواجهة، وأن المخيمات الفلسطينية ستظل عنوانًا للصمود والتصدي.
التعاطي الأمني
الخبير في الشأن الإسرائيلي، الدكتور محمد هلسة، رأى أن سياسة الاحتلال الإسرائيلي تستند إلى التعامل الأمني العنيف ومنطق القوة المفرطة تجاه الفلسطينيين، ومنطق اليمين الحاكم الذي يقول إن الفلسطيني الذي لا تخضعه القوة تخضعه مزيد من القوة.
وبيّن هلسة لـ"فلسطين أون لاين" أن الاحتلال لا يتعامل مع هذه العمليات على أنها ردة فعل من شعب يخضع للاحتلال وتمارس ضده كل أنواع التدمير والبطش والقتل، بل يصوّر نفسه كضحية.
وأضاف أن الاحتلال يستخدم ما لديه من فائض قوة هوجاء عمياء، ويحاول كسر خصومه وأعدائه، معتقدًا أن القوة هي الحل السحري لكل مشاكله.
وأوضح أن (إسرائيل) لا تغادر مربع التعاطي الأمني، إذ تتعامل مع الفلسطيني وكأنه بلا حق في الحياة أو الوجود. كما أنها لا تنظر إلى هذه العمليات على أنها ردة فعل على التغول الإسرائيلي بجيشه ومخابراته والمجتمع الاستيطاني الذي تدعمه المؤسسة السياسية.
وأكمل: "الشعب الفلسطيني سيستمر في فعله المقاوم، الذي ليس فعلاً طارئًا أو مجرد ردة فعل، وإن كانت بعض العمليات تأتي كردود عاطفية انفعالية على المشاهد المروعة، إلا أنها تعكس السياق الطبيعي والفطري بين شعب يقع تحت الاحتلال وبين منظومة استعمارية إحلالية تريد سحقه".
وأكد أن الاحتلال بحاجة إلى إدراك أن سياسات التدمير والقمع الأمني لن تحل المشكلة الفلسطينية. وقال: "الفلسطينيون بحاجة إلى مسار سياسي يفضي إلى منحهم حقوقهم الوطنية، لكن (إسرائيل) تعمي أعينها عن هذه الحقيقة، وتصر على دفن رأسها في الرمال".
وأضاف أن الاحتلال حاول استغلال الظروف الناتجة عن الحرب على غزة، وانشغال العالم بالأحداث هناك، للانقضاض على الضفة الغربية بكل أدوات التدمير المتاحة، عبر تنفيذ عمليات إعدام ميدانية واستخدام الطيران الحربي لتدمير البنية التحتية، في مشهد أشبه بما يجري في غزة، دون أن يُعلن ذلك كحرب شاملة.
وأشار إلى أن العمليات الفدائية تعيد (إسرائيل) إلى نقطة الصفر في تعاملها مع المقاومة الفلسطينية، وتؤكد فشل الفلسفة الأمنية لليمين الإسرائيلي التي ترتكز على القوة كحل شامل.
وختم هلسة بالقول إن استمرار العمليات في الضفة، مع تصاعد المواجهة بين المناطق الفلسطينية، يشكل تهديدًا لاستقرار الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، الذي جاء بدعوى توفير الأمن للإسرائيليين، لكنه يواجه الآن حالة من التراجع الأمني وفقدان السيطرة.