تعيش عائلات الأسرى الفلسطينيين في غزة حالة من القلق والخوف المتصاعد، خاصة مع استمرار اجتياح جيش الاحتلال أجزاء من شمال القطاع، واعتقال المئات خلال العدوان الأخير.
ومن بين هذه العائلات، تعاني السيدة فايزة نصر من مخيم جباليا شمال غزة، مأساة إضافية بعد اختفاء ابنها الحسن نصر، منذ 26 أكتوبر الماضي، عقب اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان في أكتوبر الماضي.
وقالت السيدة نصر لموقع "فلسطين أون لاين": "قلبي يبكي عليه ليل نهار، ولا يمر يوم دون أن أدعو الله أن يحميه وينجيه من أيدي الاحتلال".
وأضافت أن ابنها كان يؤدي واجبه الإنساني بمساعدة الجرحى والمصابين عندما تم اعتقاله.
قلقٌ مستمر
وتضيف بصوت تختلط فيه الحسرة بالصبر: "الحسن هو رابع أبنائي، لم يكن له ذنب سوى أنه يؤدي واجبه الإنساني في المستشفى، شعوري كأم لا يوصف".
تعيش والدة الحسن حالة من القلق المستمر بسبب انقطاع الأخبار عن ابنها: "ما عندنا أي معلومات عنه، لا نعرف أين هو أو ما حاله، يقول البعض إنه في سجن "سيدي تيمان"، لكن لا شيء مؤكدًا، هذا الغموض يجعل النار تغلي في قلبي".
وتضيف: "غيابه ترك فراغًا كبيرًا في حياتنا، نحن عائلة تهجرت من منازلنا في الشمال، واضطررنا لاستئجار بيت في مدينة غزة، لكن رغم كل ما مررنا به، فإن غياب الحسن هو الأصعب".
تؤثر هذه الحالة النفسية على صحة فايزة بشكل كبير: "قلبي دائمًا مشغول عليه، "أشعر أنني أعيش في دوامة من القلق والخوف، الضغط عندي يرتفع باستمرار، ولا أستطيع النوم، أحيانًا أذهب إلى المستشفى، لكن الأوجاع النفسية لا علاج لها".
رغم كل الألم، تتمسك فايزة بالأمل: "ربنا يصبرنا على غيابه ويطمئن قلوبنا بعودته. نحن نصبر ونحتسب، فهذا كل ما نستطيع فعله الآن، كل ما نطلبه هو أن نعرف أخبار أبنائنا، وأن يرفع هذا الظلم عنهم، نحن لا نريد سوى أن نرى أبناءنا".
نارٌ لا تنطفئ
ولا تنتهي معاناة والدة الأسير محمد شلحة، (21 عامًا)، من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، بعد أن فقدت زوجها في قصف إسرائيلي في بداية نوفمبر الماضي، لتضاف مأساة أخرى بفقدان ابنها محمد، الذي اعتقلته قوات الاحتلال في 11 نوفمبر الماضي، بعد أيام قليلة من استشهاد والده.
بصوت يفيض بالألم، تقول والدته لـ"فلسطين أون لاين": "اعتقلوا محمد بعد استشهاد والده. لم تكتفِ قوات الاحتلال بقتل زوجي، بل أخذوا ابني أيضًا. سألوا أخوه توفيق عن محمد، وحين وجدوه اقتادوه بعيدًا. منذ ذلك الحين، لم نسمع عنه أي خبر".
تعيش الأم حالة من القلق المستمر بسبب انقطاع الأخبار عن ابنها: "ما بنعرف أي شيء عنه، ما بنعرف وين هو ولا شو صار معه، حاولنا بكل الطرق أن نعرف عنه أي معلومة، لكن دون جدوى".
محمد، الذي كان ثاني أبنائها، يحمل مكانة خاصة في قلب والدته: "كان الأقرب إليّ، وغيابه أشعل نارًا في صدري، كل صلاة أدعو له، وليس لدي سوى الدعاء ليحميه الله ويعيده إلينا سالمًا"، تقول الأم.
ورغم ألم الفقد، تواصل الأم تمسكها بالأمل: "لن أفقد إيماني، أدعو الله في كل صلاة أن يعيده إلينا، وأن ينهي هذا الاحتلال الذي سرق منا كل شيء".
ألمٌ لا يهدأ
في خيمة متواضعة في مواصي خانيونس، تجلس زوجة الأسير مهند خريس، (37 عامًا)، وهي تستعيد لحظة فارقة في حياتها: "كان يومًا عاديًا، لكن فجأة اجتاحت دبابات الاحتلال مدينة حمد السكنة، مكان سكن العائلة، وطلبوا منا الخروج عبر ما أسموها "الممرات الآمنة"، لم نكن نتوقع أن يتحول يومنا إلى كابوس. اعتقلوا مهند أمام أعين أطفالنا، وضعونا جانبًا، ثم اقتادوه بعيدًا".
مهند، الذي اعتُقل في 3 مارس الماضي، ترك وراءه عائلة مكونة من ستة أفراد: زوجته، وأربعة أطفال، بنتين وولدين. تقول زوجته بحرقة لـ"فلسطين أون لاين": "غياب مهند ترك فراغًا كبيرًا في حياتنا، هو لم يكن فقط رب الأسرة، بل كان كل شيء بالنسبة لنا، كان يعمل جاهدًا لتوفير كل ما نحتاج إليه، خاصة في ظل الغلاء واحتياجات الأطفال المتزايدة".
تروي الزوجة عن صعوبة العيش في غياب زوجها: "كنت أعتمد عليه في كل شيء، لم أكن أحتاج إلى أحد، فقد كان مهند يدير أمورنا ويوفر لنا احتياجاتنا، لكن الآن أشعر أنني في أصعب مرحلة في حياتي، خاصة مع اشتداد الغلاء وعدم وجود من يشارك في تحمل المسؤولية".
وتضيف بحزن: "الأطفال يسألون عن والدهم كل يوم، يقولون لي: أين بابا؟ متى سيعود؟ ولا أجد إجابة، فقط أحتضنهم وأحاول تهدئتهم، لكن قلبي ينفطر في كل مرة".
منذ أن نُقل مهند إلى سجن "نفحة" الصحراوي، لم تتمكن الأسرة من زيارته: "مرَّت عشرة أشهر دون أن نراه أو نسمع صوته، لا نعرف أي شيء عن حالته، كلما سمعت خبرًا عن وفاة أسير تحت التعذيب، أشعر أنني أعيش في كابوس مستمر، أفكر فيه على مدار 24 ساعة: كيف هو؟ هل يتألم؟ هل هو بخير؟".
وتصف الزوجة تأثير الأخبار القادمة من السجون على حالتها النفسية: "كل خبر عن الأسرى يُدمِّرني، أعيش حالة إحباط دائم، خاصة مع عدم وجود أي أمل قريب لزيارته أو معرفة أخباره".
وتقول الزوجة إنها علقت آمالها على الهدنة وصفقة التبادل التي كانت متوقعة: "كنت أحلم أن يعود مهند إلينا، أن نعيد بناء منزلنا، وأن تبدأ حياتنا من جديد، لكن مع كل تأخير، يزداد إحباطنا، نعيش مشاعر مختلطة بين الأمل واليأس".
تختتم الزوجة حديثها برسالة موجهة إلى العالم: "نحن لا نطلب سوى أبسط حقوقنا، أن نعرف أخبار أحبائنا، أن نتمكن من زيارتهم، أن يعودوا إلينا سالمين، هذا الألم الذي نعيشه لا يحتمله أحد، أرجو أن يسمع العالم صوتنا، أن يقف معنا، وأن يعمل لإنهاء هذا الظلم".
وارتفع عدد الشهداء الأسرى بسجون الاحتلال منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على القطاع في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول إلى 54 شهيدًا، وهذا العدد هو الأعلى تاريخياً لتُشكّل هذه المرحلة أكثر المراحل دموية في تاريخ الحركة الأسيرة منذ عام 1967"، استنادًا لمؤسسات حقوقية.
ووصل عدد الأسرى في سجون الاحتلال الذين اعترفت بهم إدارة السّجون حتى بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إلى أكثر من عشرة آلاف و300 أسير، في حين تواصل فرض جريمة الإخفاء القسري بحق المئات من معتقلي غزة في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.