حياة النزوح في الخيام ترهق رئتي الطفلة نايا خمس سنوات وتجعلها ترقد لأيام طوال على أسرة المستشفيات، وقد بدأ التعب يتمكن من رئتي الصغيرة ويجعلها غير قادرة على الحياة واللعب بشكل طبيعي ليتقطع قلب والديها وهم يرون ابنتهم تذبل أمامهم في ظل انسداد أفق للحصول على فرصة للعلاج في الخارج.
افتقاد الدواء
ورغم ضعف الإمكانيات المادية لوالد الطفلة نايا مصطفى أبو عبيد من مدينة رفح (التي تبلغ من العمر 5 سنوات) كونه يعمل موظفا بحكومة غزة ولديه طفلان آخران أحدهما يعاني من التوحد، الا أنه كان قادرا على الحفاظ على طفلته من مضاعفات مرض التليف الكيسي المزمن الذي يحتاج إلى علاج باستمرار مدى الحياة وقاتل إذا لم تتوفر الرعاية الطبية اللازمة.
وبحسب أبو عبيد فان معاناة طفلته مع المرض بدأت منذ ولادتها، فهي واحدة من مئتين وخمسين مصابا بالمرض في قطاع غزة، لتبدأ معركة الأسرة في الحفاظ على جو نقي ونظيف في المنزل كي لا تتدهور حالتها الصحية وتوفير مصدر طاقة دائم والمتابعة الدورية لدى الاطباء، لذلك لم تعاني الطفلة من أي مضاعفات قبيل الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة.
فبتدمير الاحتلال لقطاع الكهرباء والمنظومة الصحية بأكملها، أصبحت الأنزيمات المساعدة على الحياة (Creon) التي تحتاجها نايا غير متوفرة، " توفرها المستشفى بشق الأنفس وفي الفترة الأخيرة اضطررنا لإعطاء ابنتي كمية من هذا الدواء منتهية الصلاحية بعد أن تم جلبها من مدينة غزة! حيث لا يوجد بديل له".
ويشير إلى أنه يحتاج إلى الطاقة البديلة بشكل يومي لإتمام علاجات ابنته الضرورية، بما في ذلك العلاج الطبيعي والتبخيرات التي تساعدها في التنفس، " وهنا تعترض الأمر عقبات كبيرة منها فصل الشتاء حيث تمر أيام كثيرة بدون شمس فلا يتوفر التيار البديل".
فمعاناة نايا ليست فقط من المرض الذي لا يرحم، بل من نقص الأمل الذي كان يمكن أن توفره الأجهزة العلاجية في هذه اللحظات الصعبة، والآن مع كل لحظة تمر يصبح كل يوم مليئًا بالتحديات، ليس فقط بسبب المرض، بل بسبب الظروف القاسية التي لا تترك لها أي فرصة للراحة.
إثر النزوح
وقد كان النزوح من مدينة رفح قبيل ثماني أشهر واضطراري العائلة للعيش في الخيام، السبب الأكبر في تدهور صحة نايا حيث أن مرض التكيس الذي يؤثر سلبا على الرئتين والجهاز الهضمي يقتضي أن يتم توفير جو نقي خالي من التلوث للمصاب به وهو أمر مستحيل في ظل حياة الخيام ليبدأ وضع رئتيها بالتدهور، وتبيت في المستشفيات لفترات طويلة.
يقول أبو عبيد: " نايا تصارع المرض في كل لحظة، وأصبحت حياتها من الخيمة للمستشفى، ومن المستشفى للخيمة، دون أي أمل يلوح في الأفق بسبب تدهور الأوضاع في غزة".
ويضيف: "أصبحت الحياة أكثر قسوة عليها، وأجواء الخيام التي تزدحم بالرمال والأتربة تؤثر سلبًا على رئتيها، بينما نحاول النجاة في ظل هذه الظروف الصعبة".
وترقد نايا في قسم العناية المركزة في مستشفى ناصر، وتحتاج إلى تدخل طبي عاجل بسبب مضاعفات المرض التي باتت تهدد حياتها، "حصلت نايا على تحويلة طبية منذ شهر أبريل قبل اجتياح مدينة رفح، وتجددت في شهر يوليو بناءً على طلب منظمة الصحة العالمية، أثناء مكوثها في المستشفى لمدة 42 يومًا على جهاز الأكسجين، وقد تم تصنيف حالتها على أنها حالة "طارئة لإنقاذ الحياة".
ويضيف والدها:" تواصلت معنا منظمة الصحة العالمية في شهر أغسطس، وأرسلنا لهم جميع الأوراق المطلوبة، ولكن حتى الآن لم نتلقَ أي رد ولم يتم اجلائها من غزة، بينما المرضى الذين تم تحويلهم في نفس الفترة، وبعضهم بعدنا، سافروا بالفعل لتلقي العلاج".
ويلفت إلى أنه لقد لجأ إلى كل باب، وراجع العلاج بالخارج أكثر من مرة، وكان الرد دائمًا أنهم لا يواجهون مشكلة، وأن الطلب معتمد من قبل وزارة الصحة، ولكن المشكلة عند منظمة الصحة العالمية، التي للأسف لا تقدم أي توضيح.
فـ"نايا" أصبحت رقمًا في قائمة الأمل المفقود في هذه الحرب الطاحنة، رغم كونها طفلة صغيرة، مليئة بالحياة والأمل، ولكن الظروف القاسية التي يواجهها أهل قطاع غزة تجعلها تواجه الظلام، " نحن لا نملك إلا الأمل، ولكن هذا الأمل أصبح مهددًا بسبب التأخير في علاجها"، يختم والدها بالقول.