تعيش جميلة الهباش، الشابة الفلسطينية التي فقدت ساقيها في عدوان سابق على غزة، مأساة إنسانية مزدوجة، فإلى جانب إعاقتها الجسدية، تعاني من ويلات الحروب المتكررة والنزوح القسري.
تعرَّضت جميلة لإصابة بليغة خلال عدوان 2008 أدى إلى بتر ساقيها، مما حول حياتها إلى تحدٍ يومي. وبعد أن بدأت تستعيد جزءاً من حياتها الطبيعية، عادت الحرب لتدمر كل ما بنته، وأجبرتها على النزوح عدة مرات.
تروي جميلة (30 عامًا) الحاصلة على شهادة بكالوريوس إعلام إذاعة وتليفزيون، مرارة النزوح وكيف اضطرت لمغادرة منزلها عدة مرات، تاركة وراءها كل ما تملك، قائلة "كان القصف والأحزمة النارية تنهمر علينا كالمطر، وبدأ نزوح السكان من رابع يوم الحرب بعد تهديد وصل العمارة التي أقطن بها عند دوار أبو مازن على ساحل بحر غزة، وبسبب الفزع والخوف الناس كلها أخلت وطلعنا على ملى وجوهنا".
وفي اليوم السابع من الحرب اضطرت وأهلها للنزوح جنوبًا حيث أن شقيقتها تسكن هناك حيث لم تحمل سوى حقيبة الطوارئ.
بدأت معاناة الهباش تظهر جليًا بعد اجتياح خان يونس ونزوح أقارب لهم وتكدسهم في بيت صغير، وإصدار أوامر إخلاء للمنطقة ليصبح جل تفكيرها أين تذهب بكرسيها المتحرك؟ فاضطرت النزوح إلى مستشفى ناصر الطبي.
تتابع حديثها: "بعد ٣ أسابيع عشنا أوضاعًا صعبة بسبب حصار الاحتلال للمستشفى، عدا عن نفسيتي المتدهورة لرؤيتي الناس المصابة والمستشهدة والمكلومة، فكنت أرى فيها كل ألوان الوجع خاصة أني أكره المستشفيات بعد اصابتي".
وبعد تهديد وصل المستشفى اضطرت جميلة مع عائلتها إلى النزوح مجددًا، وهي تجر قدميها المبتورتين على كرسيها المتحرك، تبحث عن مكان آمن في ظل الدمار الذي أصاب كل شيء.
وتكمل الهباش حديثها: "اضطرينا ننزح من الممر الآمن المفروض اسمه آمن لكن هو مجرد كمين، فالمعاناة أثناء السير فيه مضاعفة عدا عن الخوف والرعب وإطلاق النار على الناس".
فكانت شقيقتها الأصغر منها هي من تدفعها بالكرسي في شوارع مدمرة، وما أن أسدل الليل ستاره وجسدها يشكو أوجاعًا عدا عن حالتها النفسية.
فالانتقال من مكان لآخر ليس هو التحدي الوحيد الذي تواجهه جميلة، بل أيضًا التحديات اليومية في العيش على كرسي متحرك في خيمة والوصول إلى الحمام فالأمر ليس سهلًا وتنقل بين الطرق المدمرة، والحواجز، والظروف الصعبة تجعل حياتها أصعب من أي وقت مضى.
"كل خطوة كانت تثقلني، لكنني كنت أعرف أنني يجب أن أستمر، لا خيار لنا سوى الصمود"، تقول الهباش، مضيفة "ولكن ما آلمني هو أني بعد أن تكيفت مع وضعي أعادتني الحرب إلى نقطة الصفر وطلب المساعدة من حولي لقضاء احتياجاتي"، تصمت ثم تكمل بألم: "كنت اعتبر نفسي قوية، قدرت على تخطي إصابتي وتحديتها، واعتمدت على نفسي كلياً".