قائمة الموقع

ناشطة حقوقيَّة لـ"فلسطين أون لاين": غزَّة مأساة للضَّمير العالمي ومقاومتُها أسطوريَّة

2024-12-24T09:19:00+02:00
ناشطة حقوقيَّة لـ"فلسطين أون لاين": غزَّة مأساة للضَّمير العالمي ومقاومتُها أسطوريَّة 
فلسطين أون لاين

أكدت الناشطة الحقوقية المصرية-الأمريكية، آية حجازي، أن جرائم الإبادة "الإسرائيلية" المستمرة في قطاع غزة منذ السابع أكتوبر/ تشرين الأول 2023  تمثل "مأساة حقيقية للضمير العالمي"، معتبرةً أن الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال تعكس ازدواجية المعايير الدولية والافتقار للعدالة في النظام العالمي، الذي يخضع لهيمنة المصالح الاستعمارية وقوى النفوذ التي تدعم (إسرائيل) بلا قيود.   

وأوضحت حجازي في حوار مع "فلسطين أون لاين"، أن أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار جرائم الإبادة "الإسرائيلية" في غزة دون تدخل دولي لوقفها ما يُسمى بـ"خصوصية (إسرائيل)"، وهو المفهوم الذي يمنحها دعماً استثنائياً مستنداً إلى ما وصفته بـ"عقدة الذنب" التاريخية تجاه اليهود، مشيرةً إلى أن هذه الخصوصية تكرس صورة نمطية خاطئة مفادها أن الفلسطينيين يسعون لإبادة اليهود ودولتهم، ما يعزز حالة الحماية المطلقة لـ(إسرائيل). 

نفوذ يهودي 

وأشارت حجازي إلى أن النفوذ اليهودي في المؤسسات العالمية السياسية والإعلامية والاقتصادية يخلق حالة تُعيق التضامن مع الفلسطينيين، مدعومة بالمصالح المشتركة التي حققتها (إسرائيل) مع القوى الكبرى. ورغم ذلك، أكدت وجود حالة من التعاطف العالمي مع معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، لاسيما بعد الجرائم الوحشية التي تم توثيقها مؤخراً. 

وحول تقييمها للموقف الدولي تجاه جرائم الإبادة "الإسرائيلية"، أكدت أن النظام العالمي الحالي يعاني من ازدواجية في المعايير، إذ تُهيمن الولايات المتحدة على مجلس الأمن الدولي، ما يُضعف مواقفه تجاه القضايا الفلسطينية. وأوضحت أن المحكمة الجنائية الدولية بذلت ما في وسعها عبر إصدار أوامر اعتقال ضد قادة "إسرائيليين" بتهم ارتكاب جرائم حرب، لكنها لفتت إلى أن هذه الخطوات، رغم رمزيتها، لم تُحدث تأثيراً ملموساً على الأرض.   

في المقابل، أشادت حجازي بمواقف بعض الدول، خاصة في أمريكا اللاتينية، التي أظهرت تضامناً مع الفلسطينيين بقطع علاقاتها مع (إسرائيل). ورأت أن هذه المواقف تعكس اتجاهاً إيجابياً في سياق التصدي للعدوان "الإسرائيلي" على غزة. 


تدهور غير مسبوق 

وأعربت حجازي عن صدمتها من الموقف العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، واصفةً تدهوره بأنه "غير مسبوق ولا يخطر على بال أحد". وقالت إن "الأمر لا يقتصر على عدم تقديم الدعم العسكري أو السياسي للمقاومة الفلسطينية، بل يتجاوز ذلك إلى المساهمة الفعلية في حصار غزة، وتقديم أشكال مختلفة من الدعم اللوجستي والدفاعي للكيان المحتل"، مشيرة إلى أدوار دول عربية في هذا السياق، معتبرةً أن هذه التصرفات تعكس محاولات واضحة للقضاء على المقاومة الفلسطينية، بدلاً من الوقوف إلى جانبها. 

ولفتت إلى التأثير السلبي للإعلام والتعليم الرسمي في تشكيل وعي الشعوب، مما يؤدي إلى تغييرات سلبية على المستوى الشعبي، لكنها شددت على أن الشعوب العربية، رغم كل هذه الضغوط، ما زالت متمسكة بالقضية الفلسطينية قلباً وقالباً. 

وأضافت أنه من الضروري العمل على إعادة إحياء التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية، والاعتراف بدور الدكتاتوريات العربية في احتواء غضب الشعوب بدلاً من الاستسلام للضغوط، واستشهدت بتصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كما ورد في كتاب الحرب للكاتب الأمريكي "بوب وودوارد" الذي أشار إلى أن شعبه لم يكن يعرف الكثير عن القضية الفلسطينية في السابق، لكن هذا الوعي تغير الآن، وأصبحت القضية الفلسطينية حاضرة لدى الجميع بعد أن كانت تُعتبر "ليست قضيتهم". 

وشددت على أن الشعوب العربية تعاني من قمع ممنهج وسيطرة تامة، الأمر الذي يجعلها مكبلة أمام الأجندات الصهيونية التي تسعى لتقويض أي تضامن حقيقي مع الفلسطينيين. 

التضامن الدولي 

وحول الحراك في العربي والإسلامي في العالم، رأت حجازي أن هذا الحراك الجاري يلعب دورًا مهمًا في تحريك التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، إلا أن ما يجري على الأرض لا يرقى إلى مستوى الإبادة والمقاومة الأسطورية التي يشهدها قطاع غزة، موضحة أن هذا القصور يعود إلى حالة من الانهزام النفسي الذي يسيطر على العرب والمسلمين، إذ صدَّق الكثيرون الصور النمطية التي تُروج عنهم.

كما أرجعت هذا الانهزام إلى القمع الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي والإسلامي، ما أدى إلى خنق أي تحرك شعبي مؤثر. ومع ذلك، شددت على أهمية إدراك حقيقة أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تنتهي، مهما حققت (إسرائيل) من انتصارات، لأن الفلسطينيين باقون وصامدون في أرضهم.

ولتعزيز الحراك، أكدت حجازي ضرورة رفض الاستسلام لليأس والإيمان بأن المعركة طويلة، وقد تستمر لعقود أو حتى قرون، لكنها معركة وعي ووجود، مشيرةً إلى أن الوعي يلعب دورًا حاسمًا في تغيير المسار، إذا أن هناك الكثير من الداعمون القضية الفلسطينية في أمريكا وأوروبا، لكنهم يخشون تعرضهم للمخاطر جراء اتخاذ مواقف داعمة للقضية الفلسطينية. 

وقالت، إن التوعية بالقضية الفلسطينية تمثل ركيزة أساسية لتحقيق التغيير، خصوصًا في ظل معركة الروايات التي ظلت الصهيونية تسيطر عليها لعقود، إذ كانت (إسرائيل) تمتلك الرواية العالمية بالكامل، لكنها بدأت تفقد هذه الهيمنة تدريجيًا، بفضل جهود التوعية التي تسلط الضوء على الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين". 

وأشارت إلى أن هناك خطوات دولية تبدو رمزية لكنها مهمة، مثل إصدار المحكمة الجنائية الدولية لأول مرة أحكامًا على قادة "إسرائيليين" واعتراف دول أوروبية بالدولة الفلسطينية، لكنها شددت على أن هذه الإنجازات لم تُحدث تغييرًا ملموسًا على أرض الواقع، قائلة: "لم تُنقذ هذه الخطوات حياة طفل واحد في غزة، لكنها تمثل بداية تغيير طويل الأمد في المواقف الدولية". 

وأكملت حديثه "التوعية تُحدث فرقًا كبيرًا، لأنها تكشف الحقائق وتغير الرواية المسيطرة، ورغم أن الطريق طويل والمعركة شاقة، إلا أن هذه الجهود تمهد لتغييرات جوهرية في المستقبل.. علينا أن نستمر في تسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لبناء زخم عالمي يُنصف هذه القضية العادلة". 

وحول ما يمكن أن تفعله الجاليات العربية للتأثير على الرأي العالم في الولايات المتحدة، أكدت الناشطة الأمريكية المصرية، أن الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة تملك إمكانات كبيرة للتأثير على الرأي العام والسياسات الحكومية، لكنها تحتاج إلى تنظيم أكثر فعالية لتحقيق نتائج ملموسة.  

وقالت حجازي: "هناك نماذج ناجحة تُظهر أهمية التنظيم، مثل نظمتها مجموعة تنتمي للحزب الديمقراطي خلال الانتخابات الأولية، وتمكنت من حشد 100 ألف صوت تحت شعار "لن ننتخب"، ونجحت في إثارة ضجة أثارت انتباه السياسيين وحتى بعض الشخصيات اليهودية المؤثرة، الذين أقروا بأن حرب غزة قد تؤثر على الانتخابات" في حينه. 

وأضافت أن هناك تحركات أخرى ملحوظة، مثل الحراك الذي شهدته ولاية ميشيغان ومبادرات منظمات مثل "كيير" التي عملت على تشجيع انتخاب أحزاب أو مرشحين أخرين. ومع ذلك، شددت على أن النشاط العربي والإسلامي، رغم أهميته، لا يزال دون المستوى المطلوب، قائلة: "عدد الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة يُقدر بالملايين، ومع ذلك، لا يوجد تكتل سياسي واضح وقوي يرقى إلى مستوى القضايا الكبرى مثل القضية الفلسطينية". 

وأشارت إلى أنه عند مقارنة التنظيم العربي والإسلامي بالتنظيم الصهيوني تظهر فجوة كبيرة، مبينةً أن "الصهاينة يتفوقون في استخدام أدوات الضغط المختلفة، سواء من خلال حملات مقاطعة قوية أو بالضغط الإعلامي على من ينتقد سياساتهم. ومن الأمثلة على ذلك "إذا كتب شخص مقالًا ضد (إسرائيل)، يجد نفسه مستهدفًا بمئات الرسائل الإلكترونية الرافضة التي تُشعره بالعزلة والاضطهاد. نحن، العرب والمسلمون، يمكننا تنظيم حملات مماثلة، لكننا لم نصل بعد إلى الدرجة المطلوبة من التنسيق والتنظيم لتحقيق ذلك"، وفق حجازي. 

وأضافت: "هناك فرص كبيرة في أمريكا، فهي لا تمنع العمل السياسي أو التعبير عن المواقف، لكن غياب التنظيم والهيكلية يحرمنا من تحقيق التأثير الذي نطمح إليه.. علينا أن نتعلم من تجارب الآخرين ونبني شبكة أكثر قوة وفعالية للتعبير عن قضايانا والدفاع عنها". 
بين القمع والتضامن 

وحول المطلوب عربياً لدعم الشعب الفلسطيني، أكدت حجازي أن الوضع العربي يعكس انقسامًا كبيرًا بين القمع الرسمي والدعم الشعبي المتقطع. وقالت: "لا يمكن القول إننا فقدنا البوصلة، لكن الواقع هو أن البعض يظن أن التطبيع ليس خيانة، بل سعيًا لتحقيق السلام وبناء الدول. لكن عندما يحدث ما يحدث من إبادة في غزة، يتغير الموقف تمامًا. في الوقت الذي تحصل فيه (إسرائيل) على دعم عسكري بأشكال متعددة، لا نجد أي دعم عسكري حقيقي لفلسطين، بل على العكس، هناك دعم عسكري لـ(إسرائيل) يتم في الخفاء، بينما تشارك بعض الدول العربية، في حصار غزة".

وأضافت أن الخطوة الأولى التي كان ينبغي اتخاذها على المستوى الرسمي هي قطع العلاقات الدبلوماسية مع (إسرائيل) كأقل تقدير، معربة عن أسفها لأن العديد من الأنظمة العربية لم تتخذ هذا الموقف الحاسم. 

وأشارت إلى أن هناك قمعًا واسعًا للمظاهرات في بعض الدول مثل مصر والمغرب، حيث يواجه المواطنون الاعتقال لمجرد رفع شعارات أو تعليق لافتات تضامنية مع فلسطين. ورغم ذلك، أشارت إلى أن بعض التظاهرات خرجت في تلك البلدان رغم القمع، مما يدل على أن الشعوب لا تزال تحمل شعورًا قويًا بالتضامن مع القضية الفلسطينية، رغم القيود التي فرضتها الأنظمة الديكتاتورية. 

وعبرت حجازي عن تقديرها لجهود بعض القوى الإقليمية في دعم المقاومة الفلسطينية، وقالت: "لا ننسى ما قدمه حزب الله في جنوب لبنان من تضحيات ودعم لغزة، وكذلك اليمن، رغم الظروف الصعبة التي يواجهونها، قدموا دعمًا فعالًا ومؤثرًا لغزة، حتى أنهم أغلقوا ميناء "إيلات" كجزء من مقاومتهم". 

ولفتت إلى أن الشعوب العربية لا تملك القدرة على التغيير بسبب القمع الذي يعانون منه من قبل الأنظمة، لكنها أكدت في الوقت ذاته أن التضامن الشعبي لا يزال قائمًا، داعية إلى مزيد من الدعم والمشاركة الفاعلة في نصرة فلسطين. 

وحول الموقف الدولي والوضع الإنساني في غزة، قالت حجازي: "أي شخص مهتم بالقضية يعرف تمامًا أن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، بالإضافة إلى وكالات مثل "لانسبورت" التي تقدم أرقامًا مرعبة حول الشهداء في غزة، مضيفةً: أن "العالم بالتأكيد مهتم بالقضية، وكان الموقف الدولي سيكون مختلفًا لو لم تكن الصهيونية العالمية تتحكم بهذا الشكل في المال والإعلام". 

وحول توثيق جرائم الاحتلال في غزة ودعم الضحايا في غزة، قالت الناشطة الحقوقية إن هناك توثيقًا كافيًا لما يحدث في القطاع، لكن التحديات ما زالت كبيرة. وقالت حجازي: "رغم وجود العديد من المنظمات الإنسانية والملايين من الأشخاص المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، تبقى مشكلة إيصال المساعدات إلى غزة قائمة.  

وأضافت، أن بعض الأشخاص الذين يسعون لتقديم الدعم يتجنبون الانخراط في هذه العملية خوفًا من اتهامهم بـ"الإرهاب"، والتعرض لحملات تشويه، على الرغم من أنهم يتبنون القضية الفلسطينية، مشيرةً إلى أن منظمة "تشينغن بليف فاند" التي تعمل على إخراج الأطفال المصابين من غزة وتركيب أطراف صناعية لهم، تُعد مثالًا على الجهود الإنسانية التي تبذل في هذا الصدد. 

وبالحديث عن التحديات اللوجستية الكبيرة التي تواجهها المساعدات الإنسانية، أشارت إلى أنه في بداية الحرب كان هناك العديد من شاحنات المساعدات في مصر تنتظر العبور إلى غزة، لكن النظام المصري لم يسمح بدخولها، في الوقت الذي يفرض فيه الاحتلال الإسرائيلي حصارًا خانقًا على القطاع. وأضافت: "لو كان الوضع مختلفًا ولم يكن هناك حصار شامل، لكان الوضع أفضل بكثير حتى مع القصف"..

اخبار ذات صلة