على الرغم من كل ما قامت به "إسرائيل" من إبادة جماعية في قطاع غزة ومن استهداف وقتل في الضفة الغربية، فإن السلطة الفلسطينية لم تغادر مربع المراهنة على الالتزام بالتنسيق الأمني مع الاحتلال.
حيث لا تزال تطورات المشهد الأمني في مخيم جنين تتصاعد منذ أن قتلت أجهزة السلطة خلال الاشتباكات يزيد جعايصة القيادي في كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى شاب وطفل من أهالي المخيم، وسقوط إصابات من الجانبين.
وبررت السلطة الفلسطينية حملتها الأمنية بأنها تأتي في إطار تطبيق القانون وحماية المواطن الفلسطيني، واعتبرت أن "وجود المسلحين في مخيمات الضفة الغربية يشكل سببا رئيسيا لاقتحامها من قبل جيش الاحتلال تحت حجة إنهاء المقاومة الفلسطينية، وهذا ما يعرض المواطن الفلسطيني للخطر".
بالنسبة للمقاومة، يعيد سلوك أجهزة السلطة في مخيم جنين التساؤلات عن حقيقة انخراطها في مشروع الخطة الأمنية التي طرحتها الولايات المتحدة في فبراير/شباط 2023 بعد اجتماع في مدينة العقبة بالأردن تحت إشراف أميركي وبمشاركة إسرائيلية، وسميت "خطة فنزل" على اسم المنسق الأمني الأميركي الجنرال مايكل فنزل الذي صاغها.
وتبني الخطة أهدافها -بحسب تقرير سابق نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت- على إنهاء المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وتغيير توجهات السلطة الفلسطينية بحيث تصبح أكثر صلابة في التعاطي مع المقاومين الفلسطينيين.
وكشفت مصادر أن مساعدي عباس أطلعوا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومستشاري الرئيس المنتخب ترامب مسبقا على عملية جنين، وأن المنسق الأمني الأميركي مايك فنزل اجتمع بقادة أمن السلطة قبل العملية لمراجعة خططهم.
كما طلبت إدارة بايدن من إسرائيل الموافقة على المساعدة العسكرية الأميركية لأمن السلطة بالضفة، بهدف دعم عمليتها الواسعة في الضفة الغربية.
ما علاقة غزة؟
وقال أكسيوس إن العملية العسكرية التي يشنها الأمن التابع للسلطة الفلسطينية في جنين حاسمة بالنسبة لمستقبل السلطة وهي رسالة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وأضاف الموقع أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمر قادة الأجهزة الأمنية بإطلاق عملية السيطرة على جنين ومخيمها لكن بعضهم أعرب عن تحفظاته، وهو ما جعله يتوعد من يخالف الأوامر بالفصل.
بينما تقول السلطة الفلسطينية إن ما يحدث في جنين حملة أمنية تستهدف الخارجين عن القانون نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن دافع عملية جنين الأساسي هو توجيه رسالة إلى ترامب بأن السلطة شريك موثوق به.
وقالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن السلطة الفلسطينية تحاول من خلال عملية جنين أن تثبت قدرتها على إدارة الأمن في المناطق المحدودة التي تسيطر عليها في الضفة الغربية، سعيًا إلى حكم قطاع غزة بعد الحرب.
ورصد مراسلو الصحيفة، مشاهدًا داخل مخيم جنين، حيث كان المقاومون يشقون طريقهم عبر شبكة من دوريات أجهزة أمن السلطة المسلحة والحواجز المرتجلة، وعند نقطة تقاطع حيث تم زرع متفجرات محلية الصنع، صرخ أحد المسلحين قائلاً: "احذروا".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المشاهد بدت وكأنه رد على غارة عسكرية إسرائيلية على هذه المدينة الواقعة شمال الضفة الغربية، مركز جيل جديد من النضال الفلسطيني. ولكن، خلال الأسبوعين الماضيين، كان المقاومون في جنين يخوضون معركة مفتوحة نادرة ضد عدو داخلي: السلطة الفلسطينية.
وأكدت أنه مع بدء عملية السلطة في جنين ضد المقاومين، كانت طائرة إسرائيلية بدون طيار تحلق في سماء مخيم جنين
ونقلت عن مسؤول فلسطيني مقرب من الرئيس محمود عباس، طلب عدم الكشف عن هويته، أن عباس قرر أن السلطة الفلسطينية "ستفرض سلطتها ولا عودة إلى الوراء".
وأوضحت واشنطن بوست أن أجهزة أمن السلطة تعتبر من بين آخر الخيوط التي تربط اتفاقات أوسلو، الموقعة في تسعينيات القرن الماضي لإنشاء دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والقدس الشرقية. لكن مع مرور العقود، وسّعت "إسرائيل" سيطرتها على الضفة الغربية، مما أدى إلى تآكل اختصاص السلطة الفلسطينية.
وبحسب تهاني مصطفى، المحللة الفلسطينية في مجموعة الأزمات الدولية ومقرها بروكسل، إن العملية "ستؤدي بالتأكيد إلى نزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية وقاعدتها الشعبية في حركة فتح"، لكن وجود السلطة ليس مهددا، لأنها تعتمد على الغرب، وليس شعبها، للحصول على التمويل.
تقارير: الاحتلال "راضٍ" عن عمليَّة أمن السُّلطة في جنين ويدرس تعزيزها
وفي الإطار، أكدت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن الاحتلال راض عن عملية السلطة الفلسطينية في مخيم جنين، ويدرس تزويد أجهزة السلطة الأمنية بالمعدات العسكرية اللازمة لمواجهة التنظيمات وتعزيز التعاون الاستخباري.
وأشارت المصادر إلى أن الجيش الإسرائيلي تلقى تعليمات من المجلس الوزاري المصغر لتعزيز التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، مؤكدة أن نحو 300 ناشط مسلح من السلطة الفلسطينية (عناصر الأمن الفلسطيني) يعملون في مخيم جنين تحت مراقبة الجيش الإسرائيلي في الأيام العشرة الأخيرة.
وفي السياق ذاته، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن جيش الاحتلال يرحب بالعمليات الأمنية التي تشنها السلطة الفلسطينية في جنين، موصية بتعزيز التنسيق الأمني معها ودعم آلياتها.
كما وكشف مسؤول في الجيش، عن وجود مشاورات مع مسؤولين فلسطينيين لتسهيل الأنشطة في مخيم جنين.