كلما اقترب موعد الأعياد الدينية يشعر رامز الصوري (47 عامًا) بالقهر لفقدان أولاده الثلاثة، حيث كانوا يرافقونه في المشاركة في الصلوات وزيارة الأقارب فكان متعلقين به بشكل كبير.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر 2023م، أطفأت أنوار الكنائس وغيبت قسرًا رنين أجراسها وخيم الحزن وضجيج الطائرات والقصف على المكان.
كما واستبدلت الحرب شعور الفرح الذي كان ينتاب المسيحيين في أعيادهم بشعور الحزن على أشخاص فقدوهم، والخوف والقلق مما هو آتٍ.
وتحتفل الطوائف التي تعتمد التقويم الشرقي، بينها الأرثوذكس، بالعيد يوم 7 يناير/ كانون الثاني من كل عام.
أنوار الكنائس
ويستذكر الأب المكلوم، أجواء العيد في السنوات الماضية، حيث كانوا يضيئون أنوار الكنائس ويقيمون الصلوات في ليلة العيد، ويزورون الأهل والأصدقاء، ويخرجون إلى بعض الأماكن للاحتفال.
لكن الوضع الحالي يختلف تمامًا، عن سابقة والقول، للصوري، الذي فقد أولاده الثلاثة و12 فردا من أبناء عمه بعد تعرض كنيسة القديس "برفيريوس" للقصف الإسرائيلي بطائرات الاف "16"في 19 أكتوبر من العام الماضي.
وعلق على مدخل الكنيسة لافتة كتب عليها: "بسبب الأوضاع الراهنة، لا يوجد أي احتفالات للأعياد.
وتحكي قصة الصوري، وجع المسيحيين في قطاع غزة، الذين خضبت دماؤهم الأرض، وتحمل في طياتها قصة مأساة عائلة، فقدت أعز ما لديها في لحظة من لحظات العنف والتهجير.
وبألم يروي الصوري، كيف ارتقى ثلاثة من أبنائه، سهيل (14 عامًا) ومجد وجولي (12 عامًا)، إلى جانب 12 فردًا من عائلته وأبناء عمه، من أصل 18 شخص ارتقوا بعد تعرض كنيسة القديس "برفيريوس" للقصف الإسرائيلي في 19 أكتوبر من العام الماضي، حيث كان معظمهم من الأطفال والنساء.
وجميع هؤلاء من ارتقوا كانوا من المسيحيين الذين نزحوا من بيوتهم واحتموا داخل الكنيسة بسبب الحرب الضروس على قطاع غزة.
مكان آمن
ولجأ "رامز" وعائلته إلى الكنيسة، معتبرين أنها مكان آمن بعيد عن الاستهداف، لكنهم اكتشفوا أنه لا يوجد مكان آمن في غزة، يقول: "كان يحتمي في الكنيسة 97 فردًا فارين من القصف الإسرائيلي الذي طال كل مناطق القطاع".
ويضيف الصوري، بحسرة: إن الطيران الحربي الإسرائيلي استهدفت الغرفة التي يتواجد بها أولادي وأبناء عمي بشكل مباشر.
ويتوقف الأب المكلوم عن الحديث لمراسل "فلسطين أون لاين" لثواني معدودة قبل أن يكمل حديثه قائلًا: "دقائق معدودة فصلتني وزوجتي عن الالتحاق بأولادي، فقد ذهبنا للاطمئنان على والدي الذي تعب ويتواجد في غرفة مجاورة بمبني الكنيسة".
ويستذكر الصوري، آخر يوم لأبنائه، حيث حلقوا شعرهم وطلب ابنه الكبير اختيار القصة التي يرغبون بها وتبعه شقيقة الصغير بنفس الطلب دون تدخل، فوافق على ذلك، وبعد أن توجهنا للبيت بحي الصبرة، واستحم أولادي، فقد ظهر عليه الاستعجال وكانوا حريصين على الوصول للكنيسة بأقرب وقت.
ويكمل الأب: وصلنا الكنيسة قرابة الساعة الخامسة والنصف مساء يوم 19 أكتوبر، وبعد ساعات، أطلقت طائرات "أف 16" صاروخًا، على الغرفة التي يتواجد بها أولادي وأبناء عمي، مما أدى لارتقاء 18 شخصًا ووقوع عشرات الإصابات.
بعد استشهاد أولاده، عاد "رامز" وزوجته ليصبحا شخصين فقط، ليعيشوا كابوس فقدانهم في ظل دمار عمارته الاستثمارية في شارع عمر المختار في 13 نوفمبر 2023م، كما استُهدف منزله الآخر في حي الصبرة، بعدها بأشهر مما أدى إلى تدمير جزء كبير منه وتناثر الشظايا والزجاج في كل مكان.
رحلة إلى الأمل
ويعود الأب المكلوم، بذاكرته إلى نهاية العام 2022م، عند زيارته وأسرته مدينة بيت لحم، حيث زاروا كنيسة المهد، بعد صعوبة وضغوطات للحصول على التصاريح للازمة لذلك، مردفًا: كانت الطقوس الدينية وقتها جميلة، واستمتع أولادي بها.
"كما زرعوا كنيسة القيامة والمسجد الأقصى، وزاروا عائلاتهم في القدس وبيت لحم ورام الله، كانت تلك الزيارة بمثابة الرحلة الأخيرة لهم، والقول للصوري.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023م، يشن الجيش الإسرائيلي حربًا مدمرة على قطاع غزة، خلفت نحو، 45 ألفا و227 شهيدا و107ألفا و573مصابًا، معظمهم من الأطفال والنساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية.