من خيمته البسيطة بمخيم ال17 غربي دير البلح يبدأ عوض سحويل، (36 عاماً)، يومه بالسير على الأقدام بحثاً عن فرص عمل بين مخيمات النازحين والأراضي المجاورة.
يباشر عوض صباحه قاطعًا مسافة تزيد عن ثلاثة كيلومترات، منادياً بين الخيام المنتشرة: "هل من يرغب في تنظيف الأرض أو العمل في مخيم النازحين؟" بعد نزوحه من مدينة بيت حانون مع بداية الحرب إلى جنوب القطاع، اضطر عوض إلى التخلي عن عمله الذي كان يمارسه طوال عشرين عاماً، حيث لم يعد العمل في مجاله متاحاً بعد التطورات الأخيرة.
يقول عوض: "قبل الحرب، كانت الأراضي في بيت حانون تحتاج إلى رعاية واهتمام دائمين، أما اليوم فلا تكاد تجد ورقة صغيرة أو ورق الشجر وأعوادها على الأرض"، ويعزو ذلك إلى محاولة نازحين آخرين، جمع الورق والنايلون والخشب والملابس والبلاستيك لاستخدامها في إشعال النار، مما أثر سلباً على فرص العمل التقليدية.
وأجبرتْ قوات الاحتلال مئات الآلاف من سكان شمال قطاع غزة على النّزوح قسرًا باتجاه وسط القطاع وجنوبه، تركوا خلال ذلك أعمالهم وأراضيهم ليبدأوا من جديد معاناة النزوح والبحث عن مصدر عيش.
الجهود اليومية لعوض تمكنه من تحصيل ما بين 25 إلى 30 شيقل لقاء بعض أعماله، وهو مبلغ لا يكفي تلبية احتياجات أسرته اليومية.
أما محمد عبد الله (55 عاماً) فقد خسر عمله في رعاية الأراضي الخاصة ببلدة القرارة.
كان محمد يعمل في نبش الأرض، تقليم الأشجار، ورش المبيدات، وجمع الثمار لمدة تزيد عن ثلاثين عاماً، وهو ما كان مصدر رزقه الأساسي.
يقول محمد: "الأراضي الخاصة والحدائق والأشجار قُطعت تحت جنازير دبابات الاحتلال وأسنان الجرافات. حتى المنازل التي كانت تتوسط هذه الأراضي والحدائق دُمرت."
حاول محمد البحث عن عمل في الأراضي الواقعة على بحر القرارة وخان يونس، لكنه لم يجد فرصة مناسبة، مما أجبره على البحث عن أي عمل متاح، حتى في مجال الصرف الصحي.
يضيف محمد: "قبل الحرب، كنت أجمع ما بين 70 إلى 90 شيقل يومياً، وحالياً أجمع نحو نصف هذا المبلغ تقريباً." كما يشير إلى أن العديد من أصحاب الخيام يفضلون القيام بالأعمال بأنفسهم دون الحاجة إلى عمال، مما يزيد من صعوبة حصوله على دخل يكفيه وعائلته.
ودمرت قوات الاحتلال على مدار 14 شهرًا غالبية مباني القطاع ومنشآته وأراضيه وحولته إلى كومة ركام، وبات أغلب المواطنين نازحون بلا عمل يترقبون حصاد القصف اليومي.
تُبرز قصة عوض ومحمد التحديات اليومية التي يواجهها النازحون في مخيمات النزوح ومراكز الأيواء، حيث يسعون جاهدين لكسب لقمة العيش في ظل ظروف صعبة ومعقدة ناتجة عن العدوان المستمر.
وفي يونيو/حزيران الماضي قالت منظمة العمل الدولية، إن معدل البطالة في غزة وصل إلى نحو 80 بالمئة، ما يرفع متوسط البطالة في أنحاء الأراضي الفلسطينية إلى أكثر من 50 بالمئة، مقارنة مع 23 بالمئة قبل بدء الإبادة الجماعية على غزة.
وذكرت المنظمة التابعة للأمم المتحدة، في تقييمها الرابع لتأثير الإبادة "الإسرائيلية" على التوظيف، أن معدل البطالة وصل إلى 79.1 بالمئة بقطاع غزة، وإلى حوالي 32 بالمئة بالضفة الغربية المحتلة، ليصل المعدل الإجمالي إلى 50.8 بالمئة.