فلسطين أون لاين

في 29 عامًا

​حماس .. غيرت معادلة الصراع وحطمت أحلام الاحتلال

...
جماهير حماس في مهرجان انطلاقتها الـ 29 في خان يونس - تصوير / ياسر فتحي
غزة - يحيى اليعقوبي

تسعة وعشرون عامًا على انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لم تكن أعوامًا عادية بل تخللها محطات ومنعطفات صعبة استطاعت في كل مرة مواجهتها وإفشال مخططات الاحتلال باجتثاثها، فشكل تطورها هاجسًا لديه.

ورغم مراقبة الاحتلال لها طوال هذه السنين وسعيه لإضعاف قوتها العسكرية وبنيتها التنظيمية بطرق ووسائل شتى، إلا أنه لم ينجح بذلك، فباتت الحركة اليوم أحد أهم المعادلات في القضية الفلسطينية.

وعن أهم المحطات البارزة في تاريخ حماس يقول الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، إن أهمها نقل العمل الخيري والدعوي إلى العمل الثوري والدخول في الانتفاضة الفلسطينية الأولى "انتفاضة الحجارة" وذلك في 14 ديسمبر/ كانون أول عام 1987.

وأضاف المدهون لـ"فلسطين"، "إن حماس انتقلت بعد ذلك لمواجهة حملة الاعتقالات بحق قياداتها عام 1989، والذين كان من ضمنهم مؤسس الحركة الشهيد أحمد ياسين، وكبار قياداتها كعبد العزيز الرنتيسي وصلاح شحادة".

وبين أنها كانت محطة صعبة، ولكن الجيل الرابع لحماس بمساعدة قيادات من الخارج وعلى رأسهم عضو المكتب السياسي لحماس د. موسى أبو مرزوق، ساعدوا الحركة على النهوض بها وترتيب أوراقها.

عمليات نوعية

وكان عام 1990، وفق المدهون، محطة مهمة تمثلت بظهور كتائب القسام بشكلها الجديد وعملياتها النوعية، بعد أن كانت تعتمد على السكين والأسلحة البسيطة في بداية الانتفاضة، فتطورت لعمليات نوعية، لافتًا إلى أن الحركة استطاعت أن تفشل سياسة الاحتلال في إبعاد أكثر من 400 كادر من قيادات حماس إلى مرج الزهور.

وواجهت حماس، كما تابع، اتفاقية "أوسلو" عام 1993م التي كانت مرفوضة شعبيًا، ثم نقلت المواجهة إلى المدن الفلسطينية المحتلة من خلال عمليات الشهيد المهندس يحيى عياش، مشيرًا إلى أن حماس عام 1996م واجهت حملات السلطة الفلسطينية ضدها على إثر تلك العمليات.

وتبعًا لقول المدهون، كانت انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000م من أبرز المراحل أيضًا، بعدما أبدعت حماس في صياغة العمل المسلح، وعاشت خلالها مرحلة اغتيال قيادات مركزية لحماس من بينهم الشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وصلاح شحادة، وإسماعيل أبو شنب، وإبراهيم المقادمة.

وبعد أن فقدت حماس رأس الهرم في الحركة، والقول للمدهون، استطاعت تحدي ذلك والنهوض بها، مشيرًا إلى فوز حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، وتحديها لشروط الرباعية الدولية بالاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي، وتعرضها للحصار الذي استمر حتى الآن.

كذلك استطاعت الحركة إبرام صفقة تبادل للأسرى في 11 أكتوبر/ تشرين أول عام 2011، والإفراج عن قرابة 1027 أسيرا فلسطينيا لدى الاحتلال، مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط، الذي أسرته كتائب القسام منتصف عام 2006.

كذلك واجهت حماس، حسب المدهون، عدوان جيش الاحتلال على القطاع في أعوام (2008-2012-2014), مبينًا أن ما يميز حماس أنها رفضت الاتفاقيات المجحفة بحق الشعب الفلسطيني، وحافظت على مراكمة قوتها العسكرية وطورت من أساليب المقاومة، وواجهت الحصار، وأصبحت مهيأة لقيادة المشروع الوطني والتمثيل الفلسطيني.

مراقبة الاحتلال لحماس

المختص في الشأن الإسرائيلي فرحان علقم يقول "إن الاحتلال يراقب أي حركة فلسطينية بعين الحذر وخاصة إذا كان لها جذور وامتداد في التاريخ الفلسطيني، موضحًا أن حماس معروف أنها امتداد للإخوان، وبالتالي مراقبة الاحتلال لها تختلف عن مراقبة أي حركة ناشئة أخرى.

وأضاف علقم لـ"فلسطين": "انطلاق حماس كان عاملاً في ديمومة الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت شرارتها في 8 ديسمبر/ كانون أول 1987م، وذلك خلاف هبات فلسطينية سابقة لم يكتب لها النجاح".

ورأى أن الاحتلال قلق من القوة التي تمتلكها حركة حماس، وما يقوم به جناحها العسكري من تدريب وإعداد، مستعرضًا ما قاله بعض جنود الاحتلال بعد معركة "العصف المأكول" عام 2014 "كنا نواجه جيشًا مدربًا يمتلك خططًا عسكرية لم نتوقعها".

وأشار إلى تصريحات سياسيين إسرائيليين أنه "لا يمكن التوصل لحل سياسي ما لم تكن حماس أحد أطرافه"، مبينًا أن حماس فصيل ليس كبقية الفصائل لأنها تمتلك قوة عسكرية، وزخمًا ونظرة سياسية وقاعدة جماهيرية كبيرة".

وتركيز الاحتلال، وفق علقم، على ملاحقة ومطاردة عناصر حماس الشابة مؤشر على محاولة الاجتثاث والردع، لافتًا إلى أن الاحتلال عند وقوع أي عملية يسارع باتهام حماس مباشرة ودون تردد أنها تقف وراءها، وهذا مؤشر أنه بات يتخوف من فعل الحركة والمقاومين الذين ينتمون إليها.

واقع مختلف

ويوضح الخبير في شؤون الأمن القومي د. إبراهيم حبيب، أن الاحتلال يراقب كل الحركات الفلسطينية المقاومة في سبيل التتبع لحالة التطور السياسي والعسكري للوصول إلى أهدافها، ويحاول مع بعض الحركات إعاقة التطور أو تحويله لخدمة سياسته.

وقال حبيب لـ"فلسطين"، إن "الاحتلال يراقب حماس لمعرفة حالة التطور لديها، موضحًا أن تطور حماس بات ملموسًا جدًا وأصبح يؤثر على الجبهة الداخلية في دولة الاحتلال.

ولفت إلى أن حماس استطاعت أن تمتلك مجموعات عسكرية ذات قدرات قتالية عالية خاصة في القتال الخاص وحرب الشوارع والأنفاق.

واستطاعت بتلك المجموعات، وفق حبيب، إرهاق جيش الاحتلال، مبينًا أن المقاومة لو كانت تمتلك جيشًا نظاميًا لكان أسهل على دولة الاحتلال استهدافه، لأن حرب العصابات هي التي ترهق الجيوش وليست الحرب النظامية بين جيشين، كما حدث مع أمريكا في فيتنام.

وفي معرض رده على سؤال "فلسطين"، حول كيفية تطويع حماس لطبيعة لا تصلح للقتال، أوضح أن قطاع غزة منطقة جغرافية ساقطة أمنيًا، فلا يوجد فيها كهوف أو جبال ولا وديان ذات قيمة عسكرية يمكن من خلالها أن تناور القوات.

لأن القطاع، تبعًا لحبيب، منطقة جغرافية ساحلية منبسطة لا تستطيع أي قوة عسكرية حمايته، إلا أنه بين أن المقاومة خلقت واقعًا مختلفًا من خلال الأنفاق وتغلبت على العجز الجغرافي.

وبين أن حدود قطاع غزة مع الأراضي المحتلة تبلغ 50 كيلو متر يضع جيش الاحتلال كتيبة مكونة من 10 آلاف جندي بسبب خوفه من حماس، لافتًا إلى أنه لو كان هناك نقاط ساخنة على طول حدود فلسطين التاريخية فلن يستطيع جيش الاحتلال الإسرائيلي حماية نفسه.