لم يحتمل المشهد أمامه وهو يرى بأمِّ عينيه الواضح الصِّحِّيِّ يتهاوى، فتخرج مستشفى ثم الأخرى عن الخدمة في ظلِّ وضع أقلَّ ما يمكن وصفه بأنَّه صعب، وشعبه في أمس الحاجة إلى من يداوي ويطبطب جراحه فما كان من الطَّبيب محمَّد أبو سالم إلَّا القيام بعمل خيمة طبِّيَّة في وسط خيام النَّازحين بمخيَّم النُّصيرات وسط قطاع غزَّة.
وقد عمل أبو سالم في مستشفى الشِّفاء في قسم الاستقبال والطَّوارئ، حيث كان يواجه يوميًّا مئات الحالات الطَّارئة، من إصابات حروب، وحالات مرضيَّة، وظروف قاسيةً فرضتها الحرب المستمرَّة، وبسبب الأوضاع الَّتي شهدتها المستشفى ومدينة غزَّة دفعته النُّزوح لوسط القطاع.
يقول: "ولكن بعد موجة النزوح الكبيرة جراء العدوان الأخير، انتقل للعمل في مستشفى الأقصى، لأواصل عملي في ظروف أكثر صعوبة، خاصة مع الزيادة الكبيرة في أعداد المصابين، وحجم الضغط الهائل الذي تواجهه المستشفيات في ظل نقص المعدات الطبية والأدوية".
يوضح أبو سالم أن الشعب الغزي يمر بظروف صعبة وتعصف به الأزمات الإنسانية من كل اتجاه، فلذلك لم يتردد في تقديم العون للجرحى والمصابين في أشد الظروف قسوة.
ويضيف: "نظام العمل المعمول به في المستشفى هيأ لي الظروف لتنفيذ الفكرة، فمقابل ٢٤ ساعة عمل ٤٨ ساعة من الراحة، كما أن ما تبقى من المستشفيات ينذر بكارثة حقيقية مع تزايد أعداد الجرحى والمصابين، وما يعانيه سكان غزة من نقص حاد في الخدمات الصحية".
لذلك قرر د. أبو سالم وفريق من الأطباء والممرضين البدء بمبادرة تطوعية جديدة، وبالتعاون مع زملائه، قاموا بإنشاء نقطة طبية في مخيم سلام، أحد المخيمات النزوح الواقعة وسط مخيم النصيرات.
ويشير إلى، أهمية النقاط الطبية للتخفيف من الضغط الواقع على المستشفيات، وكذلك على المواطنين الذين يشتكون من أوضاع اقتصادية صعبة لدرجة أن بعضهم لا يمتلك ثمن المواصلات للذهاب إلى المستشفى.
هذه المبادرة لم تكن مجرد نقطة طبية عادية، بل كانت نقطة لتضمد الجراح وُضِعت لتخفيف الضغط عن المستشفيات المزدحمة ولتقديم الرعاية الأولية للمصابين من سكان المخيم، في محاولة لتلبية احتياجاتهم الصحية التي باتت تتفاقم مع تزايد الإصابات والأمراض.
ويتحدث د. أبو سالم قائلاً: "لم يكن أمامنا خيار سوى تقديم يد العون، كأطباء وممرضين، واجبنا أن نكون إلى جانب أهلنا في هذه اللحظات العصيبة، فالعمل التطوعي في مثل هذه الظروف هو أكثر من مجرد تقديم علاج، هو رسالة من الأمل والتضامن".
ويتابع: "نحن نعمل بشكل جماعي، ونحاول تلبية أكبر قدر من احتياجات الناس، لدينا العديد من الحالات الطارئة التي تحتاج إلى رعاية عاجلة، ومن ثم يتم تحويلها إلى المستشفى، ورغم صعوبة الظروف نحن ملتزمون بمساعدة الجميع قدر المستطاع".
ويلفت د. أبو سالم إلى أنه يتم دعم النقطة الطبية من خلال بعض الأشخاص المحبين للعمل الخيري، ومن وزارة الصحة التي تمدهم ببعض المستلزمات الطبية.
في هذه النقطة الطبية، يعمل وفريقه على مدار الساعة، وسط تحديات كبيرة مثل نقص المواد الطبية، وتحديات التنقل بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة والقصف المستمر، ونقص في المعدات الطبية والأدوية خاصة التي تتعلق بالأمراض المزمنة.
ولكن في وسط هذه الصعوبات، يبقى الأمل مشرقًا في عيون الطاقم الطبي، الذين يواصلون عملهم بكل تفانٍ من أجل حياة أفضل لأهلهم.