لم تكتفِ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية باستثمار حالة الهدوء في الضفة الغربية بتعزيز الاستيطان، وتسمين المستوطنات، بل تعمل على تثبيت حقائق جديدة على أرض الضفة الغربية، تسهم في إفراغ السلطة الفلسطينية من مضمونها.
ففي مقر الجيش الإسرائيلي في مستوطنة «بيت إيل» ، وعلى مسافة كيلومتر واحد من مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، تقيم إسرائيل حكومة ظل، لها اليد العليا في شؤون الفلسطينيين الأمنية والمدنية على السواء، وتقوم حكومة الظل الإسرائيلية هذه بتوسيع صلاحياتها بصورة مطّردة على حساب دور السلطة الفلسطينية ومكانتها!
تلك الحقائق تحدث عنها المراقبون للأوضاع في الضفة الغربية، ويقولون: إن إسرائيل تعمل على فرض الحل السياسي الذي ينسجم مع أطماعها، وتعمل على حصر دور السلطة بشيء أقرب ما يكون إلى سلطة البلدية، و في العام الأخير، أخذت تل أبيب تصادر أجزاء واسعة من الصلاحيات المدنية للسلطة، في إشارة إلى حدوث تحول في التوجه الإسرائيلي نحوها، ونحو دورها في المرحلة القادمة التي تتسم بغياب أي أفق للحل السياسي.
لما سبق، تقوم إسرائيل بتقسيم الضفة الغربية إلى مناطق، وتضع على رأس كل منطقة قائدًا عسكريًا، وتضع على رأس القيادة المركزية قائدًا عسكريًا كبيرًا، تمنحه صلاحيات فوق صلاحيات السلطة الفلسطينية.
وتمارس السلطات الإسرائيلية في «حكومة الظل» التي يقودها جنرال في الجيش الإسرائيلي يحمل صفة «منسق شؤون المناطق»، صلاحيات واسعة تتعلق بالحياة اليومية، والحركة الداخلية والخارجية للمواطنين. ومن هذه الصلاحيات إغلاق مؤسسات في قلب مناطق السلطة، من مطابع ومحال تجارية، ومكاتب إعلامية، ومحطات إذاعة وتلفاز وغيرها، واعتقال صحافيين ومعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن تحرك السلطة الفلسطينية ساكنًا بهذا الشأن.
يقول الدكتور علي الجرباوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت، عن هذه الحالة الفلسطينية: إسرائيل تعمل على تحويل السلطة الفلسطينية من سلطة حكم ذاتي إلى مقاول، وذلك بعد أن جردت إسرائيل السلطة من كامل الصلاحيات الأمنية، والكثير من الصلاحيات المدنية، حتى باتت توصف بأنها أقل من حكم ذاتي.
فإذا أضفنا إلى حديث الدكتور علي الجرباوي مزيدًا من المعلومات الميدانية، والتي تقول:
1- قامت إسرائيل بزيادة عدد موظفي الإدارة المدنية، بهدف توسيع صلاحياتها.
2- قامت إسرائيل بزيادة عدد العمال الفلسطينيين العاملين في المستوطنات اليهودية.
3- أوقفت إسرائيل مئات التصاريح الممنوحة لضباط الأمن الفلسطيني، للتحرك بين المدن الفلسطينية الواقعة في منطقة ج
4- امتنعت إسرائيل عن الاستجابة لطلبات السلطة السماح لها بنقل موقوفين على قضايا جنائية بين المدن لغرض المحاكمة.
5- سحبت إسرائيل من السلطة الجزء الأكبر من الصلاحيات الأمنية في "المنطقة أ".
تمكين السلطة الفلسطينية في قطاع غزة لا يمكن أن يكون عوضًا لتغيبها عن أرض الضفة الغربية، بل وجود نموذج غزة المقاوم على أرض الضفة الغربية هو النقيض الطبيعي للتمدد الإسرائيلي.