في مشهد لا ينسى، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأسيرة خلود حنونة، بعدما حاصرت مستشفى الأهلي المعمداني في مدينة غزة، فكان الاعتقال حدثًا مأساويًا ليس فقط لها بل لابنها البالغ من العمر عشرة أعوام، الذي تركته قوات الاحتلال يبكي وحيداً، لا يفهم لماذا تُسحب أمه بعيدًا عنه، وسط صراخاته ودموعه.
تعود بذاكراتها لأحداث لا يمكن لها أن تنساها، فقد مرت بأيام عصيبة عاشتها مع عائلتها محاصرة بين فوهات الدبابات حولها ترصد أي حركة لتطلق نيران قذائفها اتجاههم، وقد نجت وأبنائها بأعجوبة من القصف واستشهد ١٧ شخصاً من العائلة.
تقول: "بعد هذه الأحداث، ورفض الصليب الأحمر والدفاع المدني فك حصارنا بحجة أن منطقة الزيتون منطقة أمنية مغلقة، اتخذت عائلتها قرار جماعي بالخروج رافعين الرايات البيضاء".
مشوا وصغارهم من أمام الدبابات ومع آذان العصر حطت رحالهم في المستشفى فناموا ليلتهم في العراء تحت سطوة برد ديسمبر.
وفي الثامن عشر من ذلك الشهر، صدموا بالصوت الذي وصولهم عبر مكبرات الصوت الخاصة بالمستشفى والذي يطالب كل من فيها بالنزول إلى الساحة والاستسلام خلال ١٠ دقائق فقط.
تضيف حنونة: "للوهلة لم أصدق لكنهم فعلا اليهود، أصبت بالانهيار، احتضنت أطفالي وأوصاني زوجي عليهم، فكان يوم أشبه بيوم القيامة، فخرجنا للساحة فإذ بحائطها مهدوم والدبابات تحيط المستشفى من كل اتجاه، وتطلب من الرجال خلع ملابسهم وإحضار الهوية، أما النساء فيصعدن كل خمسة منهن على ظهر الدبابة لتأكد من هوياتهن".
فرافق ابنها البكر والده، واصطحبت حنونة معها ابنتيها الاثنتين وصغيرها البالغ ١٠ أعوام، انتظرت بذعر وخوف دورها، وما أن جاء طلب منها الجندي أن تحضر وحدها بخلاف السيدات قبلها، فتشبث فيها صغيرها دون أن يفهم خطة الجندي الذي ينوي اعتقالها.
تتابع بوجع حديثها عن تلك الأيام: "أجبرني الجنود على خلع الحجاب لنصف رأسي وبعدها وقف يضحك ويستهزأ وطلب مني الوقوف يسارا مع سيدتين لساعات".
عصب الجنود أعينها ووضعوا المرابط في يديها وقدميها واوقفوها على ظهر الدبابة ووضع السلاح في ظهرها، اعتقدت أنه سيتم اعدامها، لتتمتم بتسابيح وأذكار، ثم قادها لجهة أخرى وجردها من ملابسها فوقع منها مبلغ مالي كان قد اعطاها إياه زوجها قبل أن يفترقا، وما أن اقتربت لتأخذهم حتى امسكتها المجندة الإسرائيلية من شعرها وضربتها في الحائط.
وتكمل حنونة حديثها: "وبدأوا يدفعوني للسير اتجاه عربة الجند ويضربوني كوني لا أتمكن من السير، وفي الطريق كان يتعمد السائق السرعة والوقوف المفاجئ فنقع انا والسيدات الثلاثة فوق بعضنا".
وقفت بها العربة بالمنطقة الشرقية للقطاع وكان أسفل منها حفرة مستطيلة الشكل يوجد بها عدد من الشباب الذين لا يعرفون مصيرهم.
وصلوا بها إلى الأسر لتجد المعاملة القاسية فترة الاعتقال والتي تعكس وحشية الاحتلال وسياسته القمعية تجاه الفلسطينيين بشكل عام، والنساء بشكل خاص.
وتوضح حنونة أن تجربة الاعتقال التي وصفتها بالكريمة بفعل التعذيب والاستجواب، وانتقالها من مركز لآخر يحاولون في كل مرة نزع أي اعتراف او إلصاق أي تهمة بها.
وتقول في شهادتها: "لم يكن الأمر مجرد اعتقال، بل كان بمثابة تعذيب نفسي وجسدي، تحقيقات استمرت تقريبا مدة الاعتقال 60 يومًا، كان خلالها الاحتلال يحاول كسر إرادتي بكل السبل".
فقضت حنونة تلك الفترة وهي تتنقل من معسكر للجيش إلى آخر، وفي كل مرة يتم التحقيق معها وتفتيشها وتجريدها من ملابسها، وتقييد في الحركة حتى فترة الاستراحة (الفورة)، وكمية الطعام المقدمة لها الأسيرات.
وقد حاول المحققون استغلال خوفها على طفلها، وكانوا يعلمون أن ترك ابنها يبكي في حينما تركته قد أوجع قلبها، ومع ذلك بقيت خلود صامدة، ترفض الاعتراف بتهمٍ لم ترتكبها.
بعد مرور 60 يوماً من التحقيق والتعذيب، تم الإفراج عن حنونة، ولكن تجربتها لم تنتهِ عند هذا الحد، فقد قام بالإفراج في جنوب القطاع بعيدًا عن أبنائها وعائلتها الذين لا يزالون صامدون في شماله، لتبقى في ذاكرتها وصمة من الألم.