صادقت الهيئة العامة للكنيست، اليوم الأربعاء، على إجراء "نقاش برلماني معمق" حول إقالة المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف-ميارا، بأغلبية 51 صوتًا من أعضاء الائتلاف، في جلسة تصويت شهدت مقاطعة أعضاء المعارضة الذين غادروا القاعة جماعيًا وسط هتافات احتجاجية.
والمقترح الذي طرح على جدول أعمال الكنيست قدمه عضو الكنيست أفيحاي بوآرون من الليكود وينص على ضرورة عقد نقاش خاص حول "سلوك جهاز المستشار القضائي للحكومة والأضرار التي لحقت بالجمهور"؛ وبسبب خروج أعضاء المعارضة لم يكن هناك أي معارضين للقرار.
وكان الائتلاف قد فشل في تمرير مقترح بوآرون، الأسبوع الماضي، حيث سقط المقترح بفارق صوت واحد - بتأييد 40 عضوًا في الكنيست ومعارضة 41 - وقد قدّم اقتراحًا عاجلًا على جدول الأعمال تحت عنوان جديد.
وشن وزير القضاء، ياريف ليفين، هجومًا على المستشارة القضائية، قائلاً: "منذ فترة طويلة لم يعد الأمر استشارة مهنية، بل أصبح إدارة سياسية بالكامل من موقع معارض. نشاطها لا يساعد الحكومة في عملها. لا يمكن العمل بهذه الطريقة، لا يمكن الاستمرار هكذا، وأعتقد أن الحكومة يمكنها الاجتماع واتخاذ القرارات المناسبة".
ومن المقرر أن يعقد الكنيست جلسة أخرى لمناقشة أداء جهاز المستشار القضائي للحكومة، في حين أشارت القناة 12 الإسرائيلية إلى أن المقترح الذي تم التصديق عليه يبقى مقترحًا رمزيًا دون أي تبعات عملية؛ وذكرت أنه يأتي في ظل "عدم الثقة المتبادلة" بين الحكومة والمستشارة القضائية.
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن "المقترح الذي تم تقديمه اليوم لن يؤدي إلى إقالة المستشارة القضائية"، موضحة أنه "بمثابة إعلان من الائتلاف عن نيته دفع هذا الإجراء قدما". وكان وزير القضاء قد اعترف في الجلسة السابقة بأنه "في هذه المرحلة لا يوجد أغلبية في الحكومة لإقالة بهاراف-ميارا".
وخلال الجلسة، اعترض أعضاء المعارضة على كلمة عضو الكنيست بوآرون، الذي قال إن المقترح "يتعلق بأحد المواضيع الأكثر حساسية وربما الأكثر تفجُّرًا في جدول أعمال المجتمع الإسرائيلي"، فيما اعتبر أعضاء كنيست عن المعارضة أن "رئيس الحكومة ينتهك اتفاق تضارب المصالح الخاص به".
وتُعدّ المستشارة القضائية للحكومة في إسرائيل أعلى جهة قانونية مسؤولة، حيث تقدم الاستشارات القانونية للحكومة وتشارك في صياغة مشاريع القوانين، مما يضمن التزامها بالقوانين السارية ويحول دون إلغاء المحكمة العليا لمشاريع القوانين أو القرارات الحكومية.
ما وظيفة المستشار القضائي؟
يعد منصب المستشار القضائي للحكومة من المناصب القانونية المهمة في "إسرائيل"، وهو بمثابة المدعي العام، وهو منصب يرأس جهاز تطبيق القانون، ويرأس النيابة العامة، ويعمل كمستشار قانوني للسلطة التنفيذية ويمثلها أمام المحاكم.
وبموجب حكم محكمة العدل العليا، فإن المستشار القضائي هو المفسر للقانون تجاه السلطات الإدارية، ورأيه ملزم لها، ما لم تقرر المحكمة العليا خلاف ذلك.
ويعد هذا أحد أهم المناصب وأكثرها تأثيرًا في الحكومة "الإسرائيلية"، وعلى الرغم من أهميته، إلا أنه لا يوجد قانون واحد ينظم وضعه ومهامه، بل تحددها القوانين غير المباشرة وتقارير اللجان العامة وأحكام المحكمة العليا، ويتم تعيين المستشار لمدة ست سنوات.
من هي غالي ميارا؟
تعد المستشارة القضائية الحالية، غالي بيهاريف ميارا، أول امرأة تشغل هذا المنصب، وشغلته منذ 7 فبراير/شباط 2022.
ولدت ميارا في سبتمبر/أيلول 1959، وخدمت في الجيش الإسرائيلي بالوحدة 8200 في قسم الأبحاث بالاستخبارات العسكرية (أمان)، وحصلت على البكالوريوس والماجستير في القانون عام 1984 من جامعة تل أبيب وعملت كمساعدة تدريس ومحاضرة بالجامعة إلى جانب المحاماة.
في عام 1985 انضمت إلى مكتب المدعي العام لمنطقة تل أبيب، وعلى مدار 30 عاما شغلت مناصب مختلفة، وخلال عملها عارضت القضايا والدعوات التي يرفعها الفلسطينيون في المحاكم الإسرائيلية جراء أضرار جراء سياسات الحكومة، وكانت من المبادرين إلى تشريع يحصن جنود الجيش خلال الأنشطة العسكرية، وفي عام 2014 تم ترشيحها لحقيبة العدل إلا أنها لم تحصل على المنصب.
وكان أول ظهور قوي لها في مارس/آذار 2022، عندما أعلن وزير الأمن الداخلي، عمر بارليف، أن عضو الكنيست الذي يرغب في زيارة الحرم القدسي خلال شهر رمضان يجب أن يحصل على موافقة الشرطة الإسرائيلية، لتعلن أن وزارة الأمن الداخلي لا تمتلك صلاحية اتخاذ هذا القرار.
ما قصة الخلاف بين نتنياهو والمستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية؟
صدقت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية غالي بهاراف ميارا، على فتح تحقيق يتعلق برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على خلفية "فضيحة التسريبات" في ديوانه، في خطوة تصعيدية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي التي تؤجج الخلاف الدائر بينهما.
وأوضحت "ميارا"، أنه بعد التصديق يمكن للمستشارين فتح تحقيق ضد نتنياهو نفسه، إذ يتعلق الأمر حاليا بقضيتين في ديوانه، وفق ما نقلت فضائية "الجزيرة".
بدأ الخلاف بين نتنياهو وميارا، على خلفية خطة الحكومة الإسرائيلية لإضعاف جهاز القضاء، التي قادها رئيس الوزراء الإسرائيلي في مارس 2023.
ورغم قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بمنعه من التدخل، أعلن نتنياهو عن استكمال خطة الحكومة الإسرائيلية التي هدفت للانقلاب على منظومة الحكم وإضعاف الجهاز القضائي، وسط احتجاجات رافقتها.
مسار قضائي يفضي لإقالة نتنياهو
وتوجهت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، برسالة رسمية، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي تبلغه فيها بأنه يتصرف بشكل مخالف للقانون ولقرار المحكمة العليا، في خطوة اعتبرت تمهيداً لمسار قضائي جديد قد يفضي بإقالته.
المستشارة صيغت بطريقة تبين أنها جادة في توجهها للإطاحة به، وهي تقول بوضوح: "انتهكت بتصريحاتك حكم المحكمة العليا وقلت أشياء مخالفة للقانون ويشوبها تضارب في المصالح".
وقالت ميارا لنتنياهو حينها، إن تدخلك يشكل انتهاكاً لحكم المحكمة العليا، الذي بموجبه، بصفتك رئيس وزراء متهماً بارتكاب جرائم فساد، لذلك يجب عليك الامتناع عن اتخاذ إجراءات تثير مخاوف معقولة عن وجود تضارب في المصالح بين مصالحك الشخصية فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية ومنصبك كرئيس للوزراء".
إغلاق معتقل الموت للفلسطينيين
وبعدها قادت ميارا جدل جديلز، حينما طلبت من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالتعجيل بقرار إغلاق معتقل سدي تيمان - الذي يعتقل به عشرات الفلسطينيين من غزة - وإعادته إلى غرضه الأصلي، إلا أن القرار قوبل بالرفض من المحكمة العليا في إسرائيل.
وحذرت محكمة العدل العليا إسرائيل من ضرورة الالتزام بالقانون في معاملتها للأسرى الفلسطينيين في مركز الاعتقال سديه تيمان سيئ السمعة، لكنها لم تأمر الحكومة بإغلاق السجن.
جاء ذلك تزامنا مع كشف صور مسربة من داخل معتقل سدي تيمان بصحراء النقب، والذي أصبح ملقبا بـ"معتقل الموت"، أن جيش الاحتلال يتمادى في تعذيب الأسرى الفلسطينيين وانتهاك حقوقهم ردّا على عملية طوفان الأقصى، بالتوازي مع الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة.
التوقف عن عرقلة تشكيل لجنة تحقيق حكومية
بعدها هاجمت المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ودعته إلى التوقف عن عرقلة تشكيل لجنة تحقيق حكومية في تعامل الحكومة مع حرب إسرائيل- غزة.
وأوضحت أن التحقيق ضروري لصد الإجراءات التي يتم اتخاذها ضد إسرائيل في المحاكم الدولية.
وقالت إن لجنة التحقيق الحكومية هي أفضل دفاع ضد اتهامات الإبادة الجماعية التي تواجهها إسرائيل في محكمة العدل الدولية، بجانب مذكرات الاعتقال التي يسعى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى إصدارها ضد نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت.
وجاء ذلك فيما كان يواجه نتنياهو ضغوطا متزايدة لتشكيل لجنة حكومية، حيث اتهمه منتقدوه بمحاولة التهرب من المسؤولية عن هجوم 7 أكتوبر، والذي وقع في عهده، حيث خرجت مظاهرات عديدة في أنحاء إسرائيل.
اتهامات بـ"إهدار دم" نتنياهو
وبعدها، وفي يوليو الماضي، شن نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير نتنياهو، هجوما على المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية والنيابة العامة بسبب رفض فتح تحقيق جنائي ضد تشبيه رئيس الوزراء بزعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر، خلال تظاهرة احتجاجية مناهضة للحرب على غزة، أمام جامعة تل أبيب.
واتهم يائير نتنياهو الابن، المستشارة القضائية عبر حسابه على "إنستجرام"، بالتحريض على قتل والده، وزعم أنها تهدر دمه، من منطلق أنه لو صدرت تعليمات من المستشارة القضائية للحكومة للنيابة، لكانت الأخيرة فتحت تحقيقًا.
وكتب يائير نتنياهو ردًّا على صورة والده: "غالي ميارا ساعر -في تشبيه لها بالنائب جدعون ساعر- تحرّض على إهدار دم رئيس الحكومة".
تشبيه نتنياهو بهتلر
وجاء اتهام يائير في أعقاب قرار النيابة العامة بعدم فتح تحقيق جنائي في واقعة قيام طلاب عرب بتظاهرة احتجاجية أمام جامعة تل أبيب، هتفوا خلالها "بالروح بالدم نفديك يا شهيد".
وظهرت لافتات خلال التظاهرة، تحمل صورة نتنياهو يمزق وثيقة الاستقلال الإسرائيلية، وفوقها كلمة "كفاحي" بالألمانية، وهو اسم كتاب أدولف هتلر الذي جمع بين سيرته الذاتية وشرح نظرياته النازية.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن الصورة أصبحت حاضرة في العديد من التظاهرات الطلابية المناهضة للحرب على غزة، وأنها ليست جديدة، ولم يكن سبب ظهورها الحرب، حيث حملها متظاهرون خلال وقفة احتجاجية دفاعًا عن المستشارة القضائية ذاتها ضد نتنياهو، في أغسطس 2023، أي قبل الحرب بشهرين.
محاولات دائمة لإقالة المستشارة القضائية
وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية أن وزراء الحكومة مستمرون في مهاجمة غالي باهاراف ميارا، حيث يطالب عدد من أعضاء الائتلاف بإقالتها، مضيفة أنهم وحتى نتنياهو يعلم أن هذا سيضر به وبإسرائيل في الإجراءات القانونية الجارية في محاكم لاهاي الدولية.
وأضافت الصحيفة، أنه إذا قامت الحكومة بالفعل بإقالة المستشارة القضائية، فإن وضع إسرائيل سيكون أسوأ بكثير من وضعها الحالي على المستوى القانوني الدولي، حيث إن إسرائيل تدعي بأن نظامها القضائي مستقل ومهني وغير خاضع للسيطرة السياسية.
وأشارت الصحيفة، إلى أن ذلك سيعود بالسلب في محكمة العدل الدولية في لاهاي سواء في دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، أو فيما يتعلق بطلب إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو نفسه وضد وزير الدفاع يوآف جالانت، في دعوى يقودها كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.