رغم الطَّائرات الإسرائيليَّة الَّتي لا تفارق سماء قطاع غزَّة بكافَّة أنواعها الحربيَّة والمروحيَّة والتَّجسُّس والاستطلاع، إلَّا أنَّ جيش الاحتلال لم يتمكَّن من إفشال كمين واحد للمقاومة الفلسطينيَّة، والَّتي يكبِّد مقاوموها بشكل مستمرّ جيش الاحتلال خسائر فادحةً في الجنود والآليَّات.
تنوُّع التَّكتيكات العسكريَّة الَّتي تستخدمها المقاومة من كمين إلى آخر، وتسخير البنية الَّتي سبَّبها الاحتلال من دمار هائل في التَّخفِّي الاقتراب من الآليَّات بحيث يصعب اكتشافها، فضلاً عن التَّوقُّع النَّاجح لسلوك ومسارات آليَّات جيش الاحتلال، وكأنَّها تساق بـ "مسارات موت" صنعتها المقاومة للآليَّات الَّتي تأتي حيث يريد المقاومون، يجعل الاحتلال متخبِّطًا في ميدان صنعه هو بخلق دمار واسع وخسر فيه.
من فشل جيش الاحتلال في اكتشاف الكمائن إلى نجاح المقاومة في عمليَّات الاستهداف، تهتزَّ ثقة جيش الاحتلال وجنوده، وتتخبَّط تحرُّكاتهم، الأمر الَّذي يجعلهم دائمو التَّنقُّل من بيت إلى آخر، وهذا ينطبق على الآليَّات العسكريَّة الَّتي تتحرَّك بوتيرة سريعة من منطقة إلى أخرى، فضلاً على التَّمشيط الجوِّيِّ الهائل قبل دخول أيِّ منطقة، ما يجعل السَّيطرة على منطقة مشكلة ميدانيَّة يعاني منها جيش الاحتلال.
تحت اسم "حدث أمنيّ صعب" عنونت وسائل الإعلام العبريَّة على حادثة استهداف المقاومة شاحنةً تقلُّ جنودًا بجباليا اعترف الاحتلال بمقتل أربعة وإصابة 18 جنديًّا.
وفي تفاصيل الخبر دخلت شاحنةً عسكريَّةً محمَّلةً بالمتفجِّرات مخيَّم جباليا شمال قطاع غزَّة من أجل تفريغ حمولتها تمهيدًا لعمليَّات نسف سينفِّذها الجيش، فخرج مقاوم وأطلق قذيفةً مضادَّةً نحوها ممَّا أدَّى إلى انفجارها مع الحمولة والجنود، لينقلب "السِّحر على السَّاحر".
ومنذ 5 أكتوبر/ تشرين الأوَّل 2024 استهدفت كتائب القسَّام عشرات الآليَّات التَّابعة لجيش الاحتلال وقنصت جنودًا وفجَّرت مبان مفخَّخة في كمائن نوعيَّة كان آخرها، استهداف دبَّابة إسرائيليَّة من نوع " ميركافا 4 " بقذيفة " الياسين 105؟ ، في حارة الدَّقعة قرب الفاخورة بمخيَّم جباليا شمال القطاع أمس. وبالرَّغم من اعتراف الاحتلال نهاية نوفمبر/ تشرين الثَّاني الماضي بمقتل 30 جنديًّا خلال المعارك في جباليا، إلَّا أنَّ مراقبين عسكريِّين يشكِّكون بمصداقيَّة جيش الاحتلال، معتقدين أنَّ الرَّقم الحقيقيَّ أكبر بكثير مقارنةً بحجم ما توثِّقه المقاومة لمشاهد الاستهداف.
ونجح القسَّام بجباليا بتنفيذ كمائن "مؤلمة" لجيش الاحتلال كما وصفتها وسائل الإعلام العبريَّة في تعقيبها على بعض الأحداث، الأمر الَّذي يكشف عن ضراوة الاشتباكات، وصبر المقاومين رغم التَّجويع والحصار ونسف المباني والتَّهجير الممارس شمال القطاع.
ادعاءات زائفة
في السياق، ورغم إعلان وزير جيش الاحتلال السابق يوآف غالانت "القضاء على لواء القسام برفح" تؤكد عمليات اللواء برفح زيف ادعاءات الاحتلال وأن اللواء لا يسقط، مع توجيه ضربات نوعية تكبد الاحتلال خسائر فادحة.
سبق كمائن القسام فترة هدوء خادعة، توهم فيها جيش الاحتلال أن المقاومة لم تعد قادرة على توجيه ضربات له برفح، ليتفاجأ بكمائن القسام بحي الجنينة إلى الشرق من المحافظة، وهذا بخلاف تركيزها السابق حيث كانت تستهدف الاحتلال بحي تل السلطان غربي المحافظة.
كان آخر تلك الخسائر كمين مركب نفذه مقاتلو القسام، حيث تمكنوا من استهداف 3 دبابات من نوع "ميركفاه 4" بقذائف "الياسين 105" وقوة راجلة مكونة من 7 جنود تحصنت في أحد المنازل بقذيفة "TBG" وإيقاعهم بين قتيل وجريح، وفور تقدم قوة النجدة قام المجاهدون باستهداف جرافة "D9" عسكرية بقذيفة "تاندوم" ما أدى إلى اشتعال النيران فيها قرب مفترق عابد بحي الجنينة شرق مدينة رفح.
وكانت القسام قد بثت مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري مشاهد من الكمين الأول ضمن عملية الانتقام للسنوار، وشمل عدة مراحل بدأت بعمليات قنص استهدفت جنودا إسرائيليين قدموا من محور صلاح الدين (محور فيلادلفيا)، ثم ضرب آليات الاحتلال وقوات النجدة بقذائف مضادة للدروع.
وفي الثالث من الشهر الجاري، بثت القسام مشاهد من الكمين الثاني، وتضمن استهداف مبنى تحصن بداخله عدد من جنود الاحتلال بقذيفة مضادة للأفراد، وكذلك استهداف آلية هندسية وجرافة عسكرية من طراز "دي 9" بقذيفتي "الياسين 105".
وتضمنت اللقطات -أيضا- مشاهد لاشتباكات مع جنود الاحتلال، ومروحية قالت القسام إنها لإجلاء القتلى والجرحى.
وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت القسام عن عملية مركبة بدأت بعد عملية رصد بقنص 4 جنود إسرائيليين ببندقية "الغول"، مشيرة إلى مقتل جنديين بشكل مؤكد.
وأوضحت القسام في بيانها أنه تم استهداف دبابة "ميركافا" -جاءت لنجدة الجنود- بقذيفة "الياسين 105" المضادة للدروع، مؤكدة اشتعال النيران فيها.
وكذلك استهدفت القسام جرافة عسكرية تقدمت لسحب الدبابة المحترقة بقذيفة مضادة للدروع، مع هبوط طيران مروحي لإجلاء القتلى والمصابين، وفق بيان الكتائب.
جرأة وتخطيط
تمثل عمليات المقاومة في كافة محاور الاشتباك والتوغل، وفق خبراء عسكريين، ضربة قوية لانتصارات وهمية يزعم جيش الاحتلال تحقيقها ضد المقاومة، والتي تنسفها المشاهد التي تبثها المقاومة، والتي تدلل على أنها تعيد ترتيب صفوفها وتطوير كمائنها مستفيدة من خبرتها القتالية جراء الكمائن والاشتباكات التي تخوضها مع جيش الاحتلال.
بدوره، قال الخبير العسكري السوري العقيد أحمد حمادة، إن عوامل تطبيق الكمين تعتمد على الجرأة والتخطيط الجيد والكفاءة القتالية والتدريب العالي، وهذه مقومات الكمين الناجح والتي أدت لإيقاع خسائر كبيرة في صفوف الاحتلال بالمعدات والأرواح.
وأكد حمادة لـ "فلسطين أون لاين" أن هذه الكمائن تعتمد على الصبر والتخطيط الجيد والشجاعة والذكاء الخارق للمقاتلين يصحبه تغطية نارية، وهذا لا يتم بين ليلة وضحاها بل يسبقه فترة كافية من الاستطلاع واختيار المكان والزمان للاستهداف.
ورأى أن المقاومة التي تقاتل على أرضها وتعتمد على أسلوب ذكي جدا، بالاستفادة من الأرض وتستخدم كل أنواع الأسلحة والذخائر المتوفرة تستطيع تحقيق خسائر فادحة في آليات جيش الاحتلال وجنوده كما نرى"، معتقدا، أن وقت الاستهداف الناجح يلعب دورا هاما في حسم قضية الكمين لصالح المقاومة.