يرى خبراء وباحثون أن الرأي العام العربي شهد تحولات جديرة بالدراسة بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على غزة منذ ذلك التاريخ، حيث بات هذا الرأي قادرا بشكل واضح على وصف مشاكله ورسم أولوياته، وأن يحدد بشكل جلي انحيازاته السياسية والثقافية والاجتماعية.
واعتبر الخبراء المشاركون في جلسة "الرأي العام العربي المتغير وحرب غزة"، المقامة ضمن جلسات منتدى الدوحة الذي انطلق أمس في العاصمة القطرية الدوحة، أن الرأي العام ورأي الشارع العربي خاصة لا قيمة له عند الحكومات والحكام العرب منذ منتصف القرن الماضي وبداية تشكل الدول العربية بشكلها الحديث.
مدير مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية الدكتور طارق يوسف حاول شرح مدى تأثير الرأي العام العربي على صناع القرار في المنطقة، وذلك من خلال التأثير على المشهد المتغير الذي يعرف تحولا كبيرا في منطقة الصراع في الشرق الأوسط حاليا.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأميركية ترعى مسار تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، "وهو تحول جيوسياسي كبير سيؤدي في حال وقوعه إلى تجاوز القضية الفلسطينية وترك مصير الفلسطينيين تحت تصرف حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة، الأمر الذي سيؤدي لهبة شعبية لإفشال هذا التطبيع بشكل ربما لا تحمد عقباه، ولكن السؤال هنا: هل هذا يعني شيئا لصناع القرار؟ الجواب لا".
وفي مواجهة ذلك يرى يوسف أن لدى العرب والفلسطينيين خيارات محدودة لمنع تصفية القضية وحسم الصراع لمصلحة إسرائيل، والتصدي لمسار دمج إسرائيل في المنطقة، وهذا لن يحدث من خلال المقاومة العسكرية فقط، بل المقاومة بالرأي في الشارع والمقاهي والجامعات والمدراس، ومنصات التواصل الاجتماعي، فهذه كلها مجتمعة تستطيع تشكيل رأي عام أكثر شفافية بعيدا عن السلطة وأجهزت المخابرات، على حد قوله.
عميد كلية السياسة العامة والشؤون الدولية في جامعة برينستون الدكتورة أماني جمال ترى أن حرب غزة فتحت أعين العرب لمعرفة قيمة الشارع في لندن وواشنطن وباريس، وقدرة التأثير على الحكام وصناع القرار، ضاربة مثالا على ذلك بالقول إن مظاهرات طلاب الجامعات في أميركا وأوروبا دفعت حكوماتهم إلى اتخاذ خطوات حقيقية لإدانة إسرائيل على جرائمها في غزة.
الشارع العالمي
وبينت أماني جمال أن المتابع اليوم لتفاعل الشارع العالمي مع العدوان الغاشم على أهل غزة، سيكتشف ظهور خطابات جديدة، قد تشكل رؤية أوضح وأكثر شفافية عما تعودنا عليه داخل المجتمعات الغربية فيما يخص التعاطي مع القضية الفلسطينية، إضافة إلى ذلك فإن 7 أكتوبر/تشرين الأول غير الرأي السائد بأن القضية الفلسطينية انتهت.
فالمواقف السابقة في الغرب تجاه فلسطين -برأيها- كانت تتأرجح بين من لا يكترث بما يجري ومن يدعم إسرائيل دعما واضحا غير مشروط، أما اليوم فقد بدأنا نسجل ظهور أصوات داخل الرأي العام الغربي، "تندد بوحشية الصهاينة، وتستنكر تواطؤ أنظمتهم وحكوماتهم مع الكيان الغاصب".
ليسو شركاء
ولم يبتعد المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربية نديم حوري عن رؤية سابقيه من المتحدثين، إلا أنه قدم رؤية اعتبرها الحاضرون نوعية من حيث المنطلق والتنفيذ.
ويرى فحوري أن صناع القرار في الغرب يعتبرون كثيرا من العرب أنهم ليسوا شركاء لهم في التنمية والتطور التكنولوجي والاقتصادي، وذلك لعدة أسباب منها: تهميش الحكومات العربية للرأي العام الشعبي في دولها، وعدم مشاركة الشعوب في تحديد مصيرها ومصير دولها، والدكتاتورية في رسم الخطط والإستراتيجيات والميزانيات الحكومية، والاعتقال والتنكيل بأصحاب الرأي وتكميم الأفواه وتقييد الصحافة.
وبلور المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربية فكرته بالقول: "نحن الآن في حاجة ماسة لمقاربات جديدة تقوم على احترام حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط، وبداية تشكيل تحالفات جديدة نكون فيها نحن العرب مؤثرين وفاعلين ولسنا ضحايا للحروب والمجازر التي تزداد يوما بعد يوم".
واختتم حوري حديثه بالقول: "من المهم استغلال ما أحدثه 7 أكتوبر من تغيير جذري في الرأي العام العالمي، الذي اكتشف أننا شعوب مسالمة ندافع عن حقوقنا ومطالبنا بكل الوسائل ونستحق حريتنا ممن يحتل الأرض ويسفك الدم".