في نظرات عينيها بحر من الحزن لا ينضب، تجلس والدة الشهيد "علي"، تتأمل صورة نجلها الباسمة، وكأن الزمن توقف لحظة استشهاده، لم تعد الحياة كما كانت، فقد خسرت أغلى ما تملك، فارسها الذي يضحي بنفسه من أجل وطنه وقضيته، كل يوم تستعيد ذكرياته وكلماته الأخيرة وابتسامته التي لن تنساها طوال حياتها.
تقول والدة الشهيد علي محمد عمر، لمراسل "فلسطين أون لاين"، "إن ابني كرّس حياته لخدمة شعبه وقضيته، عبر عمله الإنساني وواجبه الوطني والأخلاقي، الذي يهدف إلى إنقاذ الأرواح تحت أصعب الظروف والتحديات التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة".
انخرط "علي" في صفوف الدفاع المدني عام (2019)، وهو القطاع الذي يُعتبر خط الدفاع الأول في الأزمات، حيث يواجه عناصره يوميًا ظروفًا استثنائية تشمل القصف المستمر ونقصًا في الموارد والإمدادات.
تستذكر السيدة "أم مصطفى"، يوم استشهاد نجلها بفخر واعتزاز وشموخ، وتسترجع أيامه وأحلامه وضحكته التي كانت تملأ البيت، وتسرد لنا حكاية بطل ارتقى خلال عمله في إنقاذ الأروح، قائلًة: "الحمد لله رب العالمين، قبل استشهاد "علي" كان عرس أخيه الأكبر "مصطفى"، من كثرة فرحته بالعرس ظن الناس بأنه هو العريس، ضحكته لم تفارقه أبدًا في حياته".
وأضافت، أن "علي" كان رقيقًا وحبوبًا وجميلًا من بين أصدقائه وأهل بيته وكل من يعرفه، حيث كان خجولًا في طبعه وحنونًا على إخوانه منذ نعومة أظفاره.
تابعت: "لم أنسَ اللحظات السعيدة التي تم تعيينه وقبوله موظفًا بوزارة الداخلية، حيث نذر نذرًا لله بأن يكون الراتب الأول كله للفقراء والمحتاجين"، مشيرةً إلى أن الشهيد كان هدفه الالتحاق بجهاز الدفاع المدني منذ البداية لخدمة أهلنا الصامدين في غزة.
وأعلن جهاز الدفاع المدني، بتاريخ 20-11-2024، ارتقاء الشهيد علي محمد عمر، (24 عامًا)، بعد أن تلقى الجهاز مناشدة بضرورة التوجه وسرعة الوصول لإطفاء حريق شب في منزل بمدينة غزة، بعد استهدافه من طائرات الاحتلال الحربية، وسقوط عدد من الشهداء والجرحى.
وبأعين ملأتها الدموع، أكملت السيدة "أم مصطفى"، حديثها: 'لقد وقع خبر استشهاد "علي" كالصاعقة على قلبي، لم أصدق بأن ابني قد استشهد، فقد كان بالنسبة لي كل شيء، علاقتي به لم تكن علاقة أم بابنها، كان فرحتي وحزني وأملي، فلذة كبدي استشهد..".
وأردفت: "هذه الحرب صعبة وكارثية، كنت خائفة على ابني وكنت دائمًا على اتصال مباشر معه، لكن إصراره على العمل وإنقاذ الأرواح كان دائمًا ما يصبرني، حيث كان يخبرني أن عملي يا أمي أمانة في رقبتي وهذا هو واجبي تجاه أبناء شعبنا".
ولفتت، إلى أن الشهيد "علي" كان معروفًا بين زملائه وأبناء شعبه بشجاعته وبسالته وإصراره على أداء مهامه في إنقاذ الأرواح، حتى في ظل المخاطر والتهديدات المستمرة.
من جهته، بدأ "أبو مصطفى"، حديثه، وهو يمسح دمعة زلت من عينيه، إن ابني كان شابًا طموحًا، يحب الحياة ودائمًا ما كان يحلم أن يخدم وطنه وقضيته، خاصةً بعد التحاقه بجهاز الدفاع المدني.
تابع: كان الشهيد "علي" يتمتع بشخصية قوية وإيمان راسخ بقضيته العادلة، وكان يقول: أنا مستعد للتضحية بحياتي من أجل وطني وأبناء شعبي، ولم يكن كلامًا على ورق بل طبّقه على أرض الواقع، لقد أثبت "علي" أنه رجل شجاع".
وأضاف، السيد "أبو مصطفى"، لـ "فلسطين أون لاين"، إن ابني أصيب أكثر من مرة بإصابات مختلفة خلال هذه الحرب، لكن لم تثنيه عن تقديم الخدمات لأبناء شعبنا دون كلل أو ملل، ومساعدة الضحايا سواء كانوا شهداء أو جرحى، لافتًا إلى أننا في حرب مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يقتل البشر ويقلع الشجر.
وروى والد الشهيد تفاصيل اليوم الذي استشهد فيه نجله، وكيف تلقت العائلة خبر استشهاده، حيث قال: "عندما وصلنا نبأ استشهاده، انهار العالم من حولنا، لكننا في الوقت نفسه شعرنا بالفخر والاعتزاز بابننا، لقد أصبح بطلاً، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة الأجيال".
وأشار، إلى أن جهاز الدفاع المدني وحسب القانون الدولي هو جهة إنسانية خدماتية وله حصانة وحماية دولية، مستنكرًا تعمد استهداف طواقمه الإنسانية والخدماتية.
ودعا، المؤسسات الدولية والحقوقية للوقوف عند مسؤولياتها، ووقف المجازر في قطاع غزة ومحاسبة الاحتلال وقادته المجرمين.