"صورةٌ من جباليا".. عمل فني يحاكي صمود وإرادة لا تنكسر في تلك البقعة الجغرافية التي نشأ فيها يوسف الذي كان صوته يحمل في طياته لحنًا خاصًا يعبر عن آلام شعبه وآماله، فلم يكن مجرد عاشق للفن، بل كان صوته يتجاوز حدود الفن ليصل إلى قلوب من حول، ورغم بعده جغرافيًا فقد انتقى كلماته التي يرددها ليتحدث عن معاناة شعبه، عن الحصار والموت الذي يهددهم يوميًا، عن أحلام الناس الذين لم يجدوا إلا السماء مأوى لهم بعد أن ضاقت الأرض.
الشاب يوسف الحناوي (٣١ عامًا) من مخيم جباليا الواقع شمال مدينة غزة، فهو معروفًا في منطقته بصوته المميز، فكلما غنى، كانت الألحان تتناغم مع هموم شعبه.
وبعد 424 يومًا من الحرب وتدمير مناطق واسعة في جباليا وصمود عائلته هناك رغم إصابة اثنين من أشقائه أراد بهذا العمل الفني أن يحاكي قصته الحقيقية، وصمود شعبه وتحملهم أساليب القتل الممنهجة والمختلفة رغم ويلات الجوع والعذاب.
ويقول الحناوي: "فكل بيت في جباليا هم أهلي وناسي، فما اعيشه مع أهلي يعانيه كل إنسان فلسطيني غزاوي، لكن كل منا يعاني بطريقة أخرى، لذلك أنتجت هذه الأغنية لأعبر عما في داخلي اتجاه وطني".
ويضيف: "هذه رسالة لكل الفلسطينيين المغتربين أننا خرجنا من الوطن باحثين عن حياة كريمة وآمنة ومستقرة، لكن أخطأنا الحسابات، فلا حياة لنا بدون أهلنا ولا استقرار ووطنا محتل ولا كرامة لنا في البعد عن هذا الوطن".
عن تجربته الخاصة، فقد حاول الحناوي التعايش في تركيا، لكن هذه الحرب غيرت كل المفاهيم فلا حياة وأهله يقتلون ويجوعون منذ أكثر من 420 يومًا، فشعر بعظم محبته لغزة عامة ولجباليا خاصة.
ويتابع الحناوي حديثه: "الفكرة أنه مهما سافرنا وتعرفنا على ثقافات أخرى يبقى حبنا لهذا الوطن، فرسالتي يجب أن تصل لكل العالم أنا سنرجع يوماً ما لنعمر كل حجر فيها".
ويتمنى من أصحاب الطاقات والمواهب الفلسطينية في الداخل والخارج أن يكون شغلهم الشاغل قضية فلسطين وبوصلتهم غزة، وألا يحبطهم تخاذل العرب وانسلاخ الأمة العربية عن فلسطين وغزة.
وتطرق الحناوي في عمله الفني الأخير إلى القضايا الأساسية الإنسانية التي دمرت بفعل هذه الحرب المجنونة، المرأة الفلسطينية، والطفل الفلسطيني، وصمود أهلنا في غزة، ومسيرة التربية والتعليم، فهناك الكثير من المواضيع التي يمكن بها التعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني.
ويذكر أنه في عام 2018، شعر الحناوي أن صوته قد لا يكون كافيًا لتوصيل رسالته للعالم أجمع، فقرر السفر إلى تركيا بحثًا عن فرص أكبر لتنمية موهبته.
وقد أنتج في طفولته أنشودة بعنوان "بعنينا يا أقصى بتكبر" و"أملنا فيكم"، وتوقفت عن الإنتاج لعدم وجود شركات تدعم وترعى الفنانين الفلسطينيين في غزة.
ويرى الحناوي أن باب الفن كبير كالرسم والشعر وغيره، وبهذه الأنواع الفنية يستطيعوا أن يبينوا للعالم أنهم ليسوا هواة حروب، ولا يعشقوا الرصاص بقدر عشقهم للأمن والأمان والاستقرار والحرية والسلام، خاتمًا حديثه: " لكن إن فرضت علينا الحرب فنحن شعب أعزل نقاوم بأجسادنا وبكل ما نملك من قوة لأننا أصحاب حق".