كانت فرحة أسرة الطالب محمد الغندور بحصوله على معدل مرتفع في الثانوية العامة – الفرع العلمي كبيرة، ليشجعوه بدورهم على الدراسة في الخارج لتخصص تكنولوجيا المعلومات، وبعد أن حصل على منحة وقبول في إحدى الجامعات الباكستانية انقلبت الأمور رأسا على عقب إثر حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، فقد فصل الاحتلال بين شمال غزة وجنوبه، ما اضطره للنزوح وحيدًا دون أسرته على أمل أن يتمكن من السفر.
عكس التوقعات
لكن الغندور الذي وصل لجنوب القطاع قبيل اجتياح رفح بأيام لم يتوقع أن يتم إغلاق المعبر للشهر السادس على التوالي بما يهدد بضياع فرصته التعليمية بعد أن حصل على الفيزا من السفارة الباكستانية وكان من أن يلتحق بالجامعة في شهر ابريل من العام الحالي.
وإثر استمرار إغلاق المعبر وانعدام الافق لفتحه فان القلق يساور الغندور بأن لا يتمكن من تحقيق حلم أسرته الذين أصبحوا في عداد الشهداء إثر مجزرة إسرائيلية كانوا من ضحاياها في مخيم جباليا حيث يقيمون قبيل شهر واحد فقط من الآن.
وبرغم صعوبة الفقد إلا أن الغندور مصمم على تحقيق حلم والديه الذين كانا في كل اتصال بينهما وبينه يوصيانه بالإصرار على السفر وتحقيق حلمه وحلمهما بالحصول على شهادة البكالوريوس في " تكنولوجيا الهندسة الكهربائية" من جامعة لاهور الباكستانية.
ويناشد الغندور كل المؤسسات الدولية بالنظر في أمر حرمان آلاف الطلبة الغزيين من الالتحاق بمقاعد الدراسة في الخارج بسبب استمرار الاحتلال بإغلاق معبر رفح، ومنهم قرابة ثلاثة آلاف طالب ملتحقون بالجامعات الباكستانية كثير منهم تركوا عائلاتهم ونزحوا للجنوب برفقة الغندور أملًا في الالتحاق بمقاعد هم الجامعية قبل فوات الآوان.
فيما تنتظر الشابة نغم البطة بفارغ الصبر أي بصيص أمل عن فتح معبر رفح كي لا تفوتها المنحة الدراسية التي حصلت عليها في تخصص الابتكار وربادة الأعمال للمرة الثانية على التوالي.
والبطة وهي من سكان مدينة خانيونس لم تتمكن من السفر قبيل إغلاق معبر رفح بسبب السعر الباهظ للتنسيق، " أن أدفع خمسة آلاف دولار مقابل السفر فهذا يعني أنني سادفع أكثر من الرسوم التي وفرتها بحصولي على المنحة".
وبعد أن فقدت البطة المنحة الأولى بسبب تعذر السفر، حصلت على منحة ثانية في البلد ذاته، وتخشى الآن من فواتها في ظل رفضها لفكرة التعليم الالكتروني التي تتبعها الجامعات الغزية بعد هدم مقارها.
وتضيف:" هذا التعليم فاشل في ظل عدم توفر الكهرباء والإنترنت أو القدرة على طباعة الكتب الدراسية لعدم توفر الإمكانيات في المكتبات، ارغب بالسفر وعيش حياة جامعية طبيعية كاي شابة في العالم".
واقع الطلبة العالقين بغزة
أطلق طلبة غزة العالقين بالتعاون مع مبادرات شبابية وأهلية حملات رقمية للضغط على دولة الاحتلال لفتح المعابر، لإنقاذ مصير الطلبة الجامعيين من فقدان فرصهم في استكمال مشوارهم التعليمي خشية من ضياعه للعام الثاني على التوالي.
خسارة عام دراسي آخر
خسر طلبة القطاع المقيدين في جامعات الخارج عاماً دراسياً بسبب الحرب، ومع استمرارها للعام الثاني على التوالي تزداد مخاوفهم من فقدان عام دراسي آخر، خصوصاً بعد أن انتظم العام الدراسي الجديد في جامعات الخارج منذ سبتمبر/ أيلول2023.
إلا أن بعض الجامعات بالخارج منحت طلبة القطاع فرصة لمتابعة محاضراتهم عبر الإنترنت استثناء ولعام واحد لحين انتهاء الحرب، بعد أن تفهمت هذه الجامعات أن ظروف الحرب وإغلاق المعابر من قبل الاحتلال يحولان دون خروج الطلبة خارج القطاع.
تمثل الدراسة في الخارج حلماً بالنسبة لطلبة القطاع، حيث ينافس آلاف الطلبة سنوياً للحصول على منح للدراسة في جامعات الخارج، على اعتبارها فرصة قد لا تتكرر بالنسبة لهم ولذويهم على حد سواء للتخفيف من الأعباء المالية المرتبطة بالدراسة الجامعية داخل أو خارج القطاع.
تتركز المنافسة في المنح الدراسية التي تمنحها جامعات أوروبية وتركية على وجه الخصوص، والتي عادة ما تكون شاملة لسكن الطلبة وكامل الرسوم الدراسية بالإضافة لتغطية تكاليف السفر والإقامة وتمنح بعضها راتباً شخصياً، بالإضافة لميزة أنها قد توفر فرص عمل بشكل أسرع بعد التخرج بسبب إزالة قيود اللغة ومعرفة الطالب بقوانين الدولة.
تبلغ حصة غزة من المنح الخارجية نحو 500 منحة دراسية سنوياً، يتم الإعلان عنها من قبل وزارة التربية والتعليم العالي، وبعضها تمنح من خلال مؤسسات دولية كالمنح التي تقدمها السفارة الأمريكية في القدس، بالإضافة لتخصيص بعض الدول أهمها إندونيسيا وتركيا والجزائر حصة من مقاعدها لطلبة غزة.
وتسببت حرب غزة بمصير مجهول ينتظر أكثر من 100 ألف طالب جامعي، بعد أن دمر الاحتلال بشكل كلي 5 من أصل 6 جامعات في القطاع، و17 كلية متوسطة.