في خضم الأحداث الدامية التي يشهدها قطاع غزة، برزت قصص إنسانية ملهمة تجسد روح التكاتف والتضامن، ومن بين هذه القصص قصة الشيف الفلسطيني محمد حجو "أبو يامن" الذي قرر أن يكون نوراً في الظلام ويدًا عاملة في خدمة أبناء شعبه.
ومن قلب مدينة غزة، برز اسم الشيف "أبو يامن" الطباخ المبدع الذي يعمل في أحد مطاعم غزة الشهيرة، بعدما قرر مواجهة ظروف الحرب بطريقته الخاصة، حيث رفض النزوح إلى جنوب القطاع رغم أهوال الحرب التي مر بها، واختار البقاء في شمال المدينة ليضع خبرته في الطهي الشرقي والغربي في خدمة مواطني غزة الصامدين.
ومع تصاعد الأوضاع الإنسانية القاسية في غزة، وبالأخص في المناطق الشمالية مثل جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا، وجد "أبو يامن" نفسه أمام واجب أخلاقي، لذلك حول جزءًا من وقته ومجهوده للعمل في "تكية".
يمتلك أبو يامن خبرة واسعة في مجال الطهي واستفاد من هذه الخبرة في إنشاء تكية شعبية تقدم وجبات طعام لذيذة ومغذية للنازحين خاصة القادمين من المناطق الشمالية الأكثر تضرراً من قصف الاحتلال مثل جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا.
مفتول الشيف
مفتول "أبو يامن" وهي الأكلة الذي اشتهر الشيف بإتقانه لها وهي من الأكلات الفلسطينية التقليدية المحببة لدى الجميع وقد نجح في تحضريها بطريقة فريدة، ما جعلها من أكثر الأطباق طلبًا وصنعاً في التكية.
ويؤكد في حديث لـ"فلسطين أون لاين" أن المفتول جزء من تراث الشعب الفلسطيني وأراد أن يقدمها للاجئين ليشعروا ببعض الدفء في هذا الوقت العصيب والأجواء الباردة بفعل فصل الشتاء وخروج النازحين من بيوتهم مضطرين بسبب قصف الاحتلال الإسرائيلي المستمر للمناطق التي كانوا يعيشون فيها.
ويقصد التكية عند إقامتها المئات من النازحين الذين يجدون فيها فرصة لتناول وجبات طعام ساخنة ولذيذة يصعب على المواطنين طبخها بسبب الظروف الصعبة التي يمرون بها أو لعدم قدرتهم على توفير مكوناتها البسيطة.
يقول "لا يمكنني أن أغادر بيتي ومكاني في الشمال، شعرت أن بقائي هنا سيحدث فرقًا أكبر، كما أن الطهي ليس مجرد مهنة بالنسبة لي؛ إنه رسالة أمل وسلام."
إقبال كبير
تكية "أبو يامن"، الواقعة في شمال مدينة غزة، أصبحت حديث الناس، حيث يشهد المكان إقبالاً متزايدًا من النازحين والمقيمين على حد سواء، فجودة الطعام ونكهته المميزة جعلا التكية محط إعجاب.
لا يقتصر دور سيف على إعداد الطعام، بل يسعى أيضًا لتوفير جو من الألفة والطمأنينة للنازحين، فيعمل بتنسيق مع متطوعين لتوزيع الوجبات وتلبية احتياجات الأسر النازحة بأفضل طريقة ممكنة.
ورغم قلة الموارد وصعوبة الحصول على المواد الأساسية، يتمسك سيف بمبدأ "الجودة أولاً"، فيوضح أحد المتطوعين العاملين في التكية: "العمل مع أبو يامن ملهم جدًا، لديه روح تعاون وإبداع استثنائية، ويصر دائمًا على تقديم أفضل ما لديه، مهما كانت الظروف."
رسالة أمل
يمثل "أبو يامن" نموذجًا حيًا للصمود والإبداع في وجه المحن، عبر خبرته ومهارته استطاع تحويل موهبته في الطهي إلى وسيلة لزرع الأمل في قلوب النازحين، في رسالة واضحة مفادها أن العطاء يمكن أن يولد من رحم المعاناة، وأن العمل البسيط يمكن أن يكون له أثر عميق في حياة الآخرين.