فلسطين أون لاين

مستشفياتُ غزّة تحت القصف "الإسرائيلي".. كارثةٌ إنسانيّة وصحيّة غير مسبوقة

...
مستشفياتُ غزّة تحت القصف "الإسرائيلي".. كارثةٌ إنسانيّة وصحيّة غير مسبوقة
غزة- محمد الأيوبي

تواجه المستشفيات في قطاع غزة وضعًا كارثيًا غير مسبوق بفعل القصف "الإسرائيلي" المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي استهدف بشكل مباشر المنشآت الصحية والطواقم الطبية، مما تسبب في خروج أغلبها عن الخدمة، وحرمان مئات الآلاف من الفلسطينيين من الخدمات الصحية الأساسية، وفاقم الأزمة الإنسانية.

أحد أبرز الشواهد على هذه الكارثة كان تدمير قوات الاحتلال مستشفى الشهيد محمد يوسف النجار في محافظة رفح، جنوبي القطاع، الإثنين الماضي. ووفقًا لمدير عام المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة بغزة، الدكتور مروان الهمص، فقد استخدم جيش الاحتلال روبوتات تحمل كميات هائلة من المتفجرات لتدمير المستشفى الذي كان يقدم خدماته لأكثر من 300,000 شخص، قبل أن يتم استهدافه وتدميره بالكامل.

وأكد الهمص في مؤتمر صحفي، أمس الأربعاء، أن جيش الاحتلال "يتعمد استهداف المستشفيات والطواقم الطبية"، مبيناً أنه "أعدم حتى الآن أكثر من 1000 طبيب وممرض وكادر من الكوادر الصحية".

وخلال حرب الإبادة، تعرضت مستشفيات أخرى لأضرار جسيمة، من بينها مجمع الشفاء الطبي، أكبر مستشفيات القطاع، الذي تعرض للحصار والتدمير، ومستشفى الأهلي العربي (المعمداني)، الذي شهد واحدة من أكبر المجازر بعد استهدافه في 17 أكتوبر، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 500 فلسطيني.

ويواصل جيش الاحتلال فرض حصارا مشددًا على المستشفيات الرئيسية الثلاثة شمالي قطاع غزة "كمال عدوان والعودة والإندونيسي"، منذ بدء عملية عسكرية برية في السادس من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وسط منع لإدخال الإمدادات الطبية والغذاء والماء، وظروف إنسانية كارثية يعاني منها المرضي والجرحى.

ورغم ذلك، تحولت المستشفيات إلى العمل بأقل الإمكانات وبطبيب واحد أو اثنين وفي ظل نفاد مخزونها من الأدوية والمستهلكات الطبية، لتقديم الحد الأدنى من الخدمة للجرحى والمرضى، رغم استمرار الإبادة الإسرائيلية لشمال القطاع منذ 47 يوما، موقعة أكثر من ألفي شهيد وأكثر من 6 آلاف جريح، ودمارا هائلا في الأبنية السكنية.

ظروف قاسية

وفي السياق ذاته، كشف مدير مستشفى كمال عدوان، د. حسام أبو صفية، عن الأوضاع الكارثية التي تعيشها المنظومة الصحية في شمال قطاع غزة نتيجة الحصار والقصف الإسرائيلي المستمر.

وأوضح أبو صفية أن المستشفى تعمل في ظروف قاسية للغاية، حيث بدأت الخسائر البشرية بالارتفاع بسبب نفاد المستلزمات الطبية واعتقال 45 من أفراد الكادر الطبي، مشيرًا إلى أن الاحتلال يمنع دخول أي وفود طبية دولية للمساعدة في إنقاذ الجرحى.

وأكد أن الاحتلال يمنع إدخال الطعام والماء إلى محافظة الشمال، في ظل غياب كامل لسيارات الإسعاف. كما أشار إلى تزايد حالات سوء التغذية بين الأطفال وكبار السن نتيجة نقص الغذاء المستمر.

وذكر أبو صفية أن الاحتلال قصف منتسف الأسبوع الجاري كافة أقسام المستشفى بشكل مفاجئ، أثناء محاولات الطواقم الطبية إنقاذ أحد الجرحى في غرفة العناية المركزة، مشيرًا إلى أن هذا المشهد موثق بالكامل.

وتطرق أبو صفية إلى المآسي التي طالت الكوادر الطبية، حيث فقد طبيب يعمل في قسم العناية المكثفة عائلته المكونة من 17 فردًا، بينهم أطفال ونساء، بينما فقد طبيب آخر أكثر من 19 فردًا من عائلته أثناء عمله في قسم الطوارئ.

وأنهى أبو صفية حديثه قائلاً: "لا نعلم إلى متى سنظل نموت أمام مسمع ومشهد العالم دون أن يتحرك أحد".

وضع كارثي

وقال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، إن القطاع الصحي في غزة يواجه انهيارًا كارثيًا بسبب القصف "الإسرائيلي" المتواصل منذ السابع من أكتوبر 2023، موضحًا أن معظم مستشفيات القطاع أصبحت خارج الخدمة نتيجة القصف المباشر أو نفاد الوقود وانقطاع الكهرباء.

وأوضح الثوابتة في تصريحات لموقع "فلسطين أون لاين"، أن "10 مستشفيات فقط من أصل 36 في قطاع غزة لا تزال تعمل جزئيًا ".

وأضاف أن التدمير الممنهج للمؤسسات الطبية أدى إلى وجود نصف مليون عملية جراحية مجدولة على قوائم الانتظار، في حين يعاني أكثر من 95 ألف مصاب من الحاجة إلى 3 إلى 4 عمليات جراحية لكل منهم، مما يستدعي إجراء معظمها خارج القطاع نظرًا لغياب الإمكانيات الطبية.

وأشار إلى أن الاستهداف الإسرائيلي للمستشفيات تسبب بفقدان 70% من أسرّتها، في وقت تعاني فيه المنظومة الصحية من نقص حاد في الموارد. فقد أكد أن 74% من الأدوية المنقذة للحياة غير متوفرة، و83% من المستلزمات الطبية مفقودة، مع تراجع مخزون الأدوية بنسبة 60%.

ولفت إلى أن هناك نقصًا حادًا في الأجهزة الطبية الضرورية، بما في ذلك أجهزة التصوير بالأشعة والرنين المغناطيسي، التي لا تتوفر إطلاقًا في غزة، إضافة إلى قلة مختبرات التحاليل وأجهزة التصوير المقطعي والمولدات الكهربائية الحديثة.

وأشار الثوابتة إلى أن المنظومة الصحية تعاني من عجز كبير في الموارد البشرية، بعد استشهاد 880 فردًا من الطواقم الطبية خلال الحرب، إلى جانب مغادرة عشرات الأطباء القطاع عبر معبر رفح قبل إغلاقه في مايو 2024.

وأضاف أن هذه الخسائر الفادحة في الكوادر الطبية، وخاصة الأطباء المتخصصين، "تمثل خسارة لا يمكن تعويضها وستكون لها تداعيات خطيرة على القطاع الصحي في المستقبل".

وحذر الثوابتة من أن الأزمة الصحية الراهنة ستستمر بالتفاقم حتى بعد وقف إطلاق النار، مشددًا على أن القطاع سيحتاج إلى سنوات طويلة وإمكانات ضخمة لإعادة بناء البنية التحتية الصحية وتعويض الخسائر البشرية في صفوف الكوادر الطبية.

جريمة حرب

من ناحيته، اعتبر مدير مركز الضمير لحقوق الإنسان في قطاع غزة، علاء سكافي، أن استهداف جيش الاحتلال للمستشفيات والطواقم الطبية في شمال القطاع يُمثل جريمة حرب خطيرة وانتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة.

وأوضح سكافي، في حديثه لموقع "فلسطين أون لاين"، أن ممارسات الاحتلال، التي تشمل محاصرة المستشفيات، وملاحقة الكوادر الطبية، واستهدافها بالقتل والاعتقال، إضافة إلى منع دخول الأدوية والمستلزمات الطبية، تخالف مواد الاتفاقية، ولا سيما المادتين 18و19، اللتين تنصان على ضرورة حماية المنشآت والوحدات الطبية خلال النزاعات المسلحة.

وأضاف أن ما يحدث في شمال قطاع غزة ينطبق عليه وصف جرائم الحرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، مؤكدًا أن استهداف الطواقم الطبية والمنشآت الصحية بشكل متعمد يعد انتهاكًا خطيرًا يضع قادة الاحتلال أمام المساءلة القانونية الدولية.

ولفت سكافي إلى أن المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف تعتبر الاعتداء على المستشفيات والمراكز الطبية جريمة تستوجب تدخل المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم ومحاسبة القادة السياسيين والعسكريين "الإسرائيليين" المسؤولين عنها.