تعاني غزة من كارثة إنسانية تصل إلى حد المجاعة، تفاقمت بفعل عصابات سرقة المساعدات التي تحظى بحماية الجيش "الإسرائيلي"، مما يهدد حياة آلاف النازحين.
ومنذ مطلع أكتوبر الماضي، يفرض جيش الاحتلال "الإسرائيلي" سياسة تجويع ممنهجة وقاسية على قطاع غزة، متذرعًا بمحاربة مصادر دخل حركة حماس. وتشمل هذه السياسة منع إدخال المساعدات والبضائع إلى القطاع بشكل كافٍ، مما يفاقم الأزمة الإنسانية ويزيد من معاناة السكان، خاصة النازحين الذين يعتمدون بشكل أساسي على تلك المساعدات.
وللتهرب من الضغوط الدولية التي تطالب الاحتلال بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، تقوم (إسرائيل) بين الحين والآخر بالسماح بدخول عدة شاحنات "معدودة" محملة بالطحين إلى جنوب القطاع، ولكنها في ذات الوقت تدفع بعصابات وقطاع طرق من داخل القطاع، تتعاون معها بشكل مباشر، لسرقة هذه الشاحنات خلال مرورها في مسارات محددة داخل غزة.
ولا يقتصر الأمر على مجرد السرقة، بل توفر قوات الاحتلال الحماية الكاملة لهذه العصابات، مما يجعل جهود إيصال المساعدات إلى مستحقيها أكثر صعوبة وتعقيدًا.
وفي مواجهة هذا الوضع، تسعى لجان الحماية الشعبية، التي تضم عناصر أمنية وأفرادًا من العشائر والعائلات المحلية، للتصدي لتلك العصابات المدعومة من الاحتلال.
وشهدت الأسابيع الماضية وقوع اشتباكات عدة بين أعضاء هذه اللجان والعصابات، أدت إلى مقتل عدد من أفراد العصابات، مما يعكس حجم التحديات التي تواجهها تلك اللجان في سعيها لحماية ما يمكن إنقاذه من المساعدات الإنسانية، وضمان وصولها إلى المحتاجين في ظل هذه الظروف الصعبة.
وكان مصدر في وزارة الداخلية بغزة، أفاد في تصريحات صحفية بمقتل أكثر من 20 قتيلاً من عصابات ولصوص شاحنات المساعدات في عملية أمنية نفذتها الأجهزة الأمنية بغزة بالتعاون مع لجان عشائرية.
وقال المصدر: "هذه العملية الأمنية لن تكون الأخيرة، بل بداية عمل أمني موسع تم التخطيط له مطولاً، وسيتوسع ليشمل كل من تورط في سرقة شاحنات المساعدات".
وشدد على أن الأجهزة الأمنية ستعاقب بيد من حديد كل من تورط في مساعدة عصابات اللصوص.
وأكد محسن النجار، أحد الوجهاء والأعيان العشائرية في وسط قطاع غزة لـ"فلسطين أون لاين"، أن العشائر تلعب دورًا محوريًا في مكافحة سرقة المساعدات بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية.
وأوضح أن العشائر شكلت لجانًا ميدانية لرصد تحركات العصابات والتعاون مع السلطات للإبلاغ عن أي نشاط مشبوه.
وقال النجار: "دور العشائر تاريخيًا هو حماية النسيج الاجتماعي والممتلكات العامة والخاصة، ومع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، أصبح من واجبنا التصدي لأي محاولات لسرقة المساعدات التي تمثل شريان حياة للنازحين".
وأضاف أن التعاون مع الأجهزة الأمنية أثمر عن ضربات قاسية للعصابات التي تستغل الأوضاع الصعبة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المجتمع.
وأشار النجار إلى أن حماية المساعدات تتطلب تضافر الجهود الشعبية والرسمية، قائلاً: "لقد رأينا كيف أن العائلات المتضررة تعاني من نقص حاد في الغذاء والمياه، وهذه العصابات تزيد من معاناتهم. هدفنا هو ضمان إيصال المساعدات لكل محتاج دون عوائق".
بدوره، أكد د. درداح الشاعر، أستاذ علم النفس الاجتماعي، أن سرقة المساعدات الإنسانية في غزة تسهم بشكل مباشر في تفشي المجاعة وزيادة حدة الفقر، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي.
وقال الشاعر لـ"فلسطين أون لاين": "المساعدات الغذائية والإنسانية تُعد الأمل الوحيد لآلاف الأسر النازحة التي فقدت مصادر رزقها، وسرقتها تعني حرمان هذه الأسر من أبسط حقوقها في الحياة. هذا يؤدي إلى شعور بالظلم والإحباط، ويعزز مشاعر العداء والانقسام داخل المجتمع".
وأضاف أن استمرار هذه الممارسات يفاقم الأوضاع النفسية للنازحين، خصوصًا الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والصدمة الناتجة عن الحرب.
وأوضح الشاعر: "تفاقم المجاعة يمكن أن يؤدي إلى زيادة في الجرائم الاجتماعية والانحرافات، لأن الناس سيسعون بأي وسيلة للحصول على الغذاء لأسرهم".
وأكد أن معالجة هذه الظاهرة تحتاج إلى تكاتف الجهود الرسمية والمجتمعية، ليس فقط لردع السارقين، ولكن أيضًا لتوفير الدعم النفسي والمادي للمتضررين، حتى لا تتحول هذه الأزمة إلى كارثة اجتماعية طويلة الأمد.