حتى الآن، نجحت حركة حماس في الخروج من مشهد حصار غزة، فقد تركت الجمل بما حمل، وأعلنت أنها لن تشترط تطبيق المصالحة بإلغاء العقوبات ضد سكان قطاع غزة، واعتبرت نفسها أحد تنظيمات المقاومة، ومهمتها في هذه المرحلة مواجهة العدو الإسرائيلي، وما حصار غزة إلا مسألة تخص كل الشعب الفلسطيني بتنظيماته ومؤسساته.
هذا الانزياح الواعي لحركة حماس عن صدر المشهد في قطاع غزة فتح الطريق أمام التنظيمات الفلسطينية الأخرى كي تقوم بدورها، وتتحرك بثقة وقوة، وتطالب بفك الحصار عن سكان غزة، ورفع العقوبات غير الإنسانية، بل وعدم الاقتراب من سلاح المقاومة، وعدم المس به مهما كلف الثمن، وقد تصدرت حركة الجهاد الإسلامي هذا المشهد، وتقدمت خطوة إلى الأمام برفقة تنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي دأبت على المطالبة برفع العقوبات عن قطاع غزة من زمن، وهذا الموقف ذاته عبرت عنه الجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب، والمبادرة الوطنية، وحزب فدا، ولجان المقاومة وغيرهم من التنظيمات الفلسطينية التي بدأت تدرك أن الوطن لا يخص حركة حماس وحدها، وأن المقاومة لم تكتب كتابها على حماس، وأن الشراكة السياسية لا تخدم حماس وحدها بمقدار ما تخدم الوطن فلسطين الذي تشكل كل هذه التنظيمات فسيفساء وجوده.
انزياح حماس عن المشهد سمح للتنظيمات الفلسطينية بأن تقوم بواجبها الوطني الذي تحملت أعباءه حماس وحدها، فإذا بمشهد الانقسام اليوم يبدو بين كل فصائل العمل الوطني من جهة، والتي تطالب برفع العقوبات عن سكان غزة فوراً، وبين الجهة السياسية التي لا تستعجل في رفع غضبها وعقوباتها عن سكان قطاع غزة.
هذا الحراك التنظيمي خطوة متقدمة، تدفع حركة حماس لأن تكرر تجربة التواصل مع كل القوى السياسية الفلسطينية، وتطبيق مبدأ الشراكة الحياتية، والشراكة الميدانية، والشراكة في المسؤولية عن حفظ النظام والأمن في قطاع غزة، ولاسيما إذا فكرت حركة فتح في إحياء ذكرى استشهاد الرمز أبو عمار، أو إذا فكرت القوى السياسية في إحياء ذكرى وعد بلفور، وهذه الشراكة في تحمل المسؤولية تصب في صالح الوطن، الذي يجب أن تتحمل مسؤوليته جميع التنظيمات والقوى الفاعلة.
الشراكة الميدانية ستقود حتماً إلى شراكة سياسية، وهي بداية تشكيل قوة جذب، تؤسس لتحالف وطني تكون فيه حركة حماس أهم مفاصله، تحالف وطني يسعى لترتيب البيت الفلسطيني وفق أماني الشعب الحريص على الشراكة السياسية، والمحرض على عدم التفرد بالقرار السياسي.