قائمة الموقع

"حربُ التَّجويع" .. سلاحُ جيش الاحتلال "الصَّامت" جنوب غزَّة

2024-11-18T12:47:00+02:00

للشهر الثاني على التوالي، استغنت الأم فاطمة البربار عن العديد من أصناف الخضروات في مطبخها "البسيط" أمام خيمتها بمدينة دير البلح؛ نظرًا لشحها وارتفاع ثمن المعروض منها في أسواق جنوب قطاع غزة.

 

ولا تستطيع السيدة (55 عامًا) شراء الخضروات وغيرهما من الأصناف لارتفاع ثمنهما أو عدم توفرها، وتضطر حاليًا للطّبخ يوميًا معلبات البقوليات التي حصلت عليها في "حصة غذائية" سابقا من برنامج الغذاء العالمي.

 

ويبلغ متوسط سعر كيلو غرام من البطاطا أو البصل أو البندورة نحو 40 شيقل (10 دولار)، والخيار والباذنجان 20 شيقل (5 دولار)، ولا تتوفر الكثير من المواد التموينية كالسكر والزيت، وأما اللحوم الحمراء أو البيضاء فهي غير متوفرة أبدا. 

 

وتقول النازحة من مدينة غزة إلى وسط القطاع: "منذ أسابيع عديدة، لا أشتري الخضروات أو أية مواد تموينية، الأسعار باهظة والأوضاع المعيشية صعبة للغاية ونحن مقبلون على فصل الشتاء".

 

وتضيف: "لقد أنهكت الحرب الكبار والصغار، لا طعام ولا ماء ولا دواء، لقد ترك الجميع غزة وحدها دون سند أو نصير".

 

وبينما تشير بيديها لأحفادها الذين يلهون أمام خيمة العائلة القماشية، تتساءل: "ما ذنب هؤلاء الصغار ليحرموا من الدراسة والغذاء والأمان .. لقد ترك الجميع غزة وحدها تواجه الموت!".

 

ومنذ العملية العسكرية "الإسرائيلي" في مدينة رفح جنوبي القطاع، مايو/ أيار الماضي، تعمد جيش الاحتلال تقنين المساعدات الإنسانية للمحاصرين جنوب غزة، في حين شدد من حصاره وعملياته العسكرية في شمال القطاع.

 

وفي حال دخول بعض المساعدات الإنسانية، والقول للبربار، فإنها "لا تسلم من اللصوص" مستندة بحديثها لأقوال سكان الخيام، مؤكدة أن أسرتها لم تستلم أية مساعدة إنسانية من المؤسسات الإغاثية العاملة في غزة منذ يوليو الماضي.

 

وكدليل آخر على كلامها، اتهمت 29 منظمة دولية إغاثية عاملة في غزة، جيش الاحتلال بتشجيع نهب المساعدات الإنسانية وتشكيل غطاء جوي لـ"عصابات اللصوص" من خلال قصف مركبات الشرطة الفلسطينية التي تحاول مكافحتهم وتأمين المساعدات.

 

أزمة غذاء

 

النازح الآخر من مدينة رفح، سعيد خليفة (45 عامًا) هو الآخر يشق طريقه يوميا، في مهمة تبدأ منذ آذان الفجر للاصطفاف أمام أحد مخابز مخيم النصيرات وسط القطاع.

 

وبعد الاصطفاف بطابور طويل لأكثر من خمس ساعات، يحصل خليفة على ربطة خبز "بعناء شاق" وأحيان أخرى لا يحصل؛ نظرًا لشدة الازدحام أمام المخبز الذي يصطف أمامه مئات المواطنين والنازحين سواء من مدينة غزة شمالًا أو مدينة رفح جنوبًا.

 

ويشكو الأب لستة أبناء من شح الكثير من أصناف الخضروات والمواد التموينية وارتفاع أسعارها عدا عن أزمة السيولة النقدية الناجمة عن إغلاق البنوك المحلية لأبوابها منذ أكثر من 13 شهرا من "حرب الإبادة الإسرائيلية" على غزة.

 

ويتحدث بألم: "الكثير من الأصناف والسلع لم ندخلها بيوتنا منذ شهور .. والآن نحن أمام أزمة دقيق حادة".

 

ويبلغ سعر كيس الدقيق في أسواق جنوب غزة – في حال توفرها – نحو 350- 400 شيقل (أزيد عن 100 دولار)، وهو الأمر الذي لا يستطيع "خليفة" ولا الغالبية العظمى من الغزيين شرائه في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية.

 

ويقول: "لقد نفدت أكياس الدقيق من البيت .. الحصول على ربطة الخبز مهمة شاقة يوميا".

 

وفقاً للجنة التصنيف العالمي، التي تضم خبراء متخصصين في مراقبة المجاعة وسوء التغذية، فقد وصلت غزة إلى مرحلة "الجوع الكارثي" حد الموت، وهو أعلى تصنيف عالمياً لدرجات الجوع.

 

وبحسب مصدر في وكالة "أونروا" تحدث لمجموعات إخبارية محلية فإن "تسليم الدقيق والكابونات مرهون بمدى توفر الطرود والدقيق في مخازن الوكالة"، لافتا إلى أن كل المساعدات التي تصل مخازن "أونروا" يتم توزيعها على مراكز التوزيع فوراً.

 

أوضح المصدر أن إغلاق الاحتلال لمعابر غزة ووجود "قطاعي الطرق" هو ما يمنع وصول المساعدات لمخازن "أونروا".

 

ووفقا للمشرف العام على "تكية أبناء النصيرات" أبو أنس الطويل، فإن أعداد المترددين على التكيات الخيرية في تزايد وارتفاع مستمر يوما عن آخر؛ نتيجة إطالة أمد الحرب الإسرائيلية على غزة.

 

وذكر أن هناك صعوبات جمّة تواجه عمل التكيات في ضمان تقديم الطعام يوميا للمحتاجين إليه، عازيا ذلك إلى انخفاض المساعدات الإغاثية لمستوى غير مسبوق وشح المواد الغذائية في الأسواق وارتفاع ثمنها.

 

وأشار الطويل إلى أن هناك تعاون مع العديد من المؤسسات الإغاثية، لكنه تأثر حاليا نتيجة تعمق الأزمة الإنسانية وعجز تلك المؤسسات عن توفير وإدخال الحد الأدنى من المطلوب إنسانيا وإغاثيا لأهالي غزة المحاصرين. 

 

إعلان المجاعة

 

وأكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) صلاح عبد العاطي، أن الاحتلال يواصل ارتكاب جرائمه الوحشية بحق المدنيين في غزة دون مراعاة لقوانين دولية أو مؤسسات أممية.

 

وأوضح عبد العاطي أن جميع الوقائع الميدانية تثبت استخدام الاحتلال "سلاح" التجويع والتعطيش في نوايا معلنة ومتعمدة لإخضاع الفلسطينيين لظروف كارثية؛ لتحقيق أهدافه العسكرية.

 

وذكر أنه وفقاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، يحظر التسبب بالمجاعة كممارسة عسكرية ضد السكان المدنيين.

 

واستدل بالمادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1977، التي تنص "على حماية الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، كما تحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل المواد الغذائية والمناطق الزراعية والمحاصيل والماشية ومرافق الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا كان الهدف هو تجويع المدنيين أو حملهم على النزوح أو لأي باعث آخر".

 

واستدل أيضا بالمادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1977، "تنص على حظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، وتحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين".

 

وأكد الحقوقي عبد العاطي على ضرورة إعلان مؤسسات الأمم المتحدة، انتشار المجاعة في قطاع غزة، والضغط على الاحتلال لفتح جميع المنافذ والمعابر الحدودية لإنقاذ الحياة الإنسانية بشكل عاجل.

اخبار ذات صلة