لم تكن تعلم الشابة روند غزال أن يوم تهجيرها من منزلها الواقع في حي الرمال على يد الاحتلال "الإسرائيلي" سيكون نقطة تحول جذرية في حياتها، فقد كان ذلك اليوم قاسياً بكل المقاييس، خرجت برفقة صغارها بلا مأوى ولا طعام ولا حتى ملابس، سُلبت منها نقودها ومصاغها الذهبي، ولم يبق لها شيء سوى الألم والحاجة الملحة ليدٍ تمتد لمساعدتها.
تقول غزال وهي أم لطفلين: "أعيش كباقي أهل الشمال بظروف صعبة جدًا سواء من مواجهة المجاعة والنزوح المتكرر وفقدان الأحبة وانعدام الأمان وعدم الاستقرار، فقد أحرق الاحتلال منزلي بعدما بنيته وعمرته بمجهود كبير ولم أسكنه سوى شهر واحد".
تصمت لثوانٍ معدودة ثم تكمل حديثها: " لقد سرق كل شيء جميل، كل أحلامي وطموحاتي والأهم ذكرياتي، فكل ما بنيته بيوم واحد راح مني، بيتي، سيارتي، شغلي فلوسي حتى ذهبي سرقوه الجنود ، لم يتبق شيء حرفيًا لي ولم يتركوا لي ولا ذكرى".
وتتابع غزال وهي تستذكر تلك اللحظات العصيبة: "كنت في قمة اليأس، شعرتُ لأول مرة بمعنى أن يكون الإنسان بحاجة ماسة إلى مساعدة، حتى لو كانت صغيرة، كنت عاجزة تمامًا، لكن تلك التجربة زرعت في قلبي شعورًا لم أنساه أبدًا".
من المحنة إلى المبادرة
بعد أن تخطّت غزال أزمتها بصعوبة، قررت أن تحول هذا الألم إلى دافع لتغيير حياة الآخرين، بدأت مشوارها في العمل التطوعي والمبادرات المجتمعية، مكرسة حياتها لمساعدة من يمرون بظروف مشابهة، رغم إدراكها لصعوبة الحياة في القطاع بسبب الحرب وخاصة في شماله.
تضيف غزال: "عندما بدأت الوقوف على قدميّ من جديد، شعرت أن هناك رسالة يجب أن أؤديها، أردت أن أكون سنداً لأي شخص يمر بما مررت به، بدأت بمبادرات بسيطة لعلها تستطيع أن تساعد العائلات في ظل ما يمروا به من ظروف صعبة".
وتوضح أن من الأسباب أيضًا التي دفعتها إلى عمل المبادرة قلة أعداد المبادرين الموجودين في شمال القطاع، وحاجة الناس للمساعدات بكافة أنواعها.
وقد قامت غزال بعمل العديد من المبادرات، كتوزيع الحفاضات والحليب الخاص بالأطفال، ومبالغ نقدية، وتم تنفيذ المبادرات الترفيهية للأطفال، ومبادرة لتوزيع المنظفات والتكيات، وآخرها مبادرة كسوة الشتاء للأطفال النازحين والأيتام، حيث تم التوزيع على ٦٠ عائلة في المرحلة الأولى، وتعمل خلال المرحلة الثانية أن تضم عدد أكبر.
وتشير غزال إلى أن هناك الكثير من العقبات التي واجهتها، خاصة في ظل الغلاء الفادح للأسعار، وخلو الأسواق من البضائع، إلى جانب انعدام المواصلات، فكانت تضطر للسير لمسافات طويلة جدًا، وعدم وجود الغاز أجبرهم على إعداد التكيات عالحطب، وكان أمر شاق جدًا.
وتتابع حديثها: "بالإضافة إلى التعرض للخطر لانعدام الأمان والتعرض بأي لحظة للقصف أو القذائف، وخاصة عندما نضطر لتقديم المساعدة بأماكن قريبة من الاجتياحات".
وترى غزال أن ما تقوم به من مبادرات يزيد من إصرارها على الصمود، ويدفعها لإدارة المبادرات بروح الإيثار، مؤكدة أن كل مساعدة تقدمها، مهما كانت صغيرة، تُحدث فرقًا كبيرًا في حياتها وحياة الآخرين.
وبذلك فإن الشابة غزال ليست مجرد ناجية من المعاناة، بل أصبحت نموذجًا يُحتذى به في الإنسانية والعطاء، تنير الطريق لمن حولها في شمال القطاع.