قبل أسابيع من موعد استشهادها، خطت الفتاة أسماء الزهار وصيتها عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، موصية الأقارب والأحباب بالدعاء لها بالرحمة والمغفرة وذكر محاسنها.
لكن "إحساس داخل قلبها" جعلها تعود لتخط وصية أخرى، وتطلب "طلبا صغيرا" من العالم، قائلة: "لو سمحتوا.. بس أموت من حقي كمواطنة انو أنحط بكفن!" دون أن يدرك الجميع أن الفتاة العشرينية ستكون بعد ساعات على موعد من الشهادة.
ورغم وصيتها التي ذاع صيتها عبر الفضاء الأزرق، إلا أن شقيقها "خضر" أبلغ مراسل "فلسطين أون لاين": "للأسف! لم نستطيع تنفيذ وصيتها الأخيرة".
واعتذر (مستشفى العودة – النصيرات) للعائلة بعدم وجود كفن للشهيدة "أسماء" كما اعتذر لأكثر من 20 عائلة شهيد ارتقوا خلال عدوان جيش الاحتلال على الأطراف الغربية للمخيم، هذا الأسبوع.
وعوضا عن الكفن الأبيض، اضطرت العائلة لتكفين شهيدتها بـ"بطانية" كحال مئات بل آلاف الشهداء الذين تجاوزت أعدادهم 43 ألف شهيد في جميع محافظات القطاع، وفقا للمكتب الإعلام الحكومي.
وقال خضر: "العالم يشاهد الإبادة في غزة .. حتى حقوق الأموات والشهداء عاجز عن تنفيذها".
وفي 2 نوفمبر/ تشرين ثان الجاري، أطلقت جمعية قيراطان الخيرية مناشدة إنسانية لإدخال الأكفان اللازمة لدفن أموات غزة.
وأكدت "قيراطان"، في مناشدتها المقتضبة، وجود "شح شديد" في الأكفان داخل مغاسل الموتى، مشيرة إلى أن بعض المغاسل التابعة للجمعية نفذت منها كمية الأكفان، كما ستنفذ خلال أيام قادمة من المغاسل الأخرى.
ولعل المناشدة التي أطلقتها الجمعية (المشرفة على مغاسل الموتى في غزة) جاءت بعد نفاد الأقمشة (الرولات) البيضاء من جنوب غزة.
وبحسب تاجر الأقمشة صافي صافي فإن حرب "الإبادة الإسرائيلية" التي تجاوزت الـ400 يوم على غزة، دمرت جميع المنشآت الاقتصادية والتجارية في القطاع.
وذكر صافي لمراسل "فلسطين أون لاين" أن الصواريخ وقذائف المدفعية الإسرائيلية التهمت مستودعات الأقمشة إما دمارا أو حرقا؛ وزاد "الطين بلة" إغلاق جيش الاحتلال لمعبر رفح البري.
ويجزم أنه لا توجد حاليا أية أقمشة بيضاء (رولات) المناسبة للأكفان أو الطواقم الطبية جنوب غزة، وأن المتوفر حاليا عبارة عن "بقايا قديمة".
وأشار صافي إلى أن جمعيات ومؤسسات خيرية أو طبية سحبت (اشترت) الكمية الأخيرة المتبقية في إحدى متاجره التي نجت من القصف الإسرائيلي، وذلك بعد إغلاق الجيش المنفذ الوحيد إبان العملية العسكرية على مدينة رفح.
حصار ومجازر
المتحدث باسم مستشفى العودة في مخيم النصيرات محمد الشطلي، أكد أن الأزمة الحادة لا تقتصر على الأكفان فقط بل الأقمشة اللازمة للطواقم والأقسام الطبية.
وأوضح الشطلي لمراسل "فلسطين أون لاين" أن إدارة المستشفى (قطاع خاص) تواصلت منذ أسابيع مع وزارة الصحة والهلال الأحمر الفلسطيني واللتان اعتذرتا عن إمداد المستشفى بطلبه؛ إزاء الأزمات التي تعصف بالمنظومة الصحية.
وهو ما ذهب إليه، المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع (حكومي) خليل الدقران إلى وجود سلسلة أزمات حادة تعصف بالمنظومة الصحية التي لا زالت تتعرض لاعتداءات إسرائيلية متكررة منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2023م.
وعزا الدقران لمراسل "فلسطين أون لاين" أزمة الأكفان إلى ارتفاع أعداد الشهداء في المجازر الإسرائيلية اليومية، وارتفاع أعداد المرضى الموتى الذين لا يجدون العلاج والظروف الصحية المناسبة في ظل الإغلاق الإسرائيلي لجميع منافذ ومعابر غزة.
وأفاد بتفاقم أزمات المنظومة الصحية منذ العملية العسكرية الإسرائيلية على مدينة رفح وإغلاق معبرها البري في 6 مايو/ أيار الماضي.
واستعرض سلسلة الأزمات الحادة كأزمة الوقود، أزمة الدواء والمستلزمات الطبية، أزمة نقص الكوادر الطبية والوفود الخارجية، تزايد أعداد الجرحى والمرضى وانتشار الأوبئة بين النازحين، تدمير المستشفيات والمعدات الطبية.
وقال: "نحن أمام كوارث حقيقية في حال استمرار تجاهل المجتمع الدولي للواقع في غزة".
وناشد المتحدث الحكومي المنظمات الأممية والدولية بضرورة الضغط على سلطات الاحتلال من أجل فتح المعابر وإدخال المستشفيات الميدانية والوفود الخارجية والمستلزمات والأدوية الطبية لإنقاذ المحاصرين في غزة.
ووفق معطيات وزارة الصحة فإن الاحتلال دمّر 65% من المنظومة الصحية خلال "حرب الإبادة" المستمرة والتي قتلت 986 كادرا طبيا.
وبرأي المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس فإن السبيل الوحيد لحماية النظام الصحي في غزة من الانهيار هو وقف الحرب "الإسرائيلية".