قائمة الموقع

شحُّ "الطَّحين".. أزمة تعمِّق المعاناة الإنسانيَّة جنوب قطاع غزَّة

2024-11-13T17:29:00+02:00
شحُّ "الطَّحين".. أزمة تعمِّق المعاناة الإنسانيَّة جنوب قطاع غزَّة

وقف محمود طبش عاجزًا أمام سؤال أطفاله: "طيب ايش بدنا ناكل!؟" عندما عاد إليهم فارغ اليدين بعد اصطفافه ثماني ساعات أمام المخبز الوحيد الذي يعمل حاليا بمحافظة خان يونس جنوب قطاع غزة ويقع وسط المحافظة، ولم يحصل على ربطة خبز، يسد فيها جوع أطفاله، فاستعاض عنه بشراء خبز "الفينو" وأمضى الأطفال يومهم بـ "نصف وجبة" غذائية وناموا بغير شبعٍ.

في محاولته الثانية للحصول على ربطة خبز قدم للمخبز الساعة السادسة صباح اليوم، لكن الساعة أشارت إلى الواحدة والنصف مساءً ولم يأتِ دوره، وكان أمامه قرابة 50 رجلاً وهو يقف ضمن أربعة طوابير، فبقي قلقا من أن لا يصله الدور كون المخبز يغلق أبوابه قرابة الساعة الثانية والنصف.


 

 ويعيش المواطنون جنوب قطاع غزة، في أزمة كبيرة نتيجة شح الطحين عمقت أزمتهم الإنسانية الناتجة عن منع الاحتلال إدخال السلع الغذائية وغلاء أسعار السلع المتوفرة.

 ويصطف المواطنون أمام مخبز "القلعة" الواقع بمحافظة خان يونس بأعداد كبيرة جدا ينتظرون خلالها لساعات طويلة للحصول على ربطة خبز تباع بسعر 3 شواقل بحجم 2 كغم ويأتي المئات منهم مع ساعات الفجر لكي يستطيعوا الحصل على ربطة خبز، ما يعكس حجم الأزمة التي تزداد صعوبة نتيجة منع إدخال الطحين وعدم استلامهم الدورة الـ "4" التي توزعها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي بدورها تعاني من عدم وصول كميات كبيرة من الطحين يحتجزها الاحتلال في المعابر.

طابور طويل

كان الخمسيني أكرم العبد لله يقف في طابور كبار السن منذ الخامسة صباحًا، ولا زال أمامه نحو 30 شخصًا بنفس عمره حتى يصله الدور ويحصل على ربطة خبز، لكن الوقوف طويلا تحت حرارة الشمس زاد أوجاع مفاصله وظهره.

يقول العبد لله الذي يعمل موظفا حكوميا بغزة لـ "فلسطين أون لاين" وهو يتكئ على جدار حائط محاولاً الاستراحة قليلاً: "قبل شهر خبزنا آخر عجنة طحين، ومنذ ذلك الحين دخلت الأزمة إلى بيتي، انتظرنا طويلا تسليمنا الدفعة الرابعة من قبل الوكالة، وكنت أرفض شراء الكيس بأسعار مرتفعة إلا أن تعمقت الأزمة وتضاعف أسعار كيس الطحين، بالتالي بات اعتمادنا على الخبز من المخبز الوحيد الذي يعمل بصورة دائمة حاليا، أو الأرز".

في طابور آخر، كان القلق يرتسم بوضوح على وجه رائد الشاعر يخشى تكرار ما حدث معه أول أمس عندما لم يصله الدور بالحصول على ربطة خبز بعد انتظار دام ثماني ساعات.


 

بصوت مغلف بالقهر يصف وقفته الطويلة بـ "أنها إذلال للشعب الفلسطيني ضمن مخططات التجويع الممنهجة"، ويقول لـ "فلسطين أون لاين": "ينتظرني أطفالي وهم بكل تأكيد لم يتناولوا وجبة الإفطار بعد، وأجبرت على هذه الوقفة المذلة لأجل إطعامهم، ولو كان لدي طحين لما قدمت إلى المخبز".

وتدفع الظروف المعيشية الصعبة وغياب الطحين، النساء إلى الخروج في أوقات مبكرة للقدوم إلى المخبز للاصطفاف في طابور مخصص لهن للحصول على ربطة خبز.

تقف أم فوزي في منتصف طابور النساء بعدما وصلت للمخبز فجرا قاطعة عدة كيلو مترات مشيا على الأقدام، وينتظرها تسعة أفراد في بيتها كي تتناول معهم وجبة الإفطار حينما كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهرا.

تحكي عن معاناتها لـ "فلسطين أون لاين": "لا يوجد لدي طحين، وأطفالي ينتظرونني بفارغ الصبر، وهنا نعاني كثيرا للحصول على خبز سواء بطول الاصطفاف أو بالتدافع بين النساء فأصبت بكدمات عدة مرات".

أما جارتها في الطابور أم أحمد فبكاء أطفالها كل مساء يجبرها على القدوم وتحمل الوقوف لساعات طويلة من أجل اسكات جوعهم وطلبهم المتكرر للخبز.

وتحاول أم أحمد كما تروي لـ "فلسطين أون لاين" استبدال الخبز بإعداد وجبات من الأرز، لكن هذا البديل بدأ يرتفع سعره نتيجة تزايد طلب الناس عليه مع تضاعف الأزمة.

ورغم قدومه الساعة الرابعة فجرًا للانتظار أمام بوابات المخبز، استطاع عبد الخواجا الحصول على ربطة خبز الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا، وكان يسارع الخطوات لأجل العودة للبيت لإطعام أطفاله وجبة الإفطار.

ويقول الخواجا لـ "فلسطين أون لاين": "نعيش في أزمة كبيرة، فالخبز ضروري ونفد لدي، وأطفالي الآن جوعى، لذلك أذهب للمخبز واصطف من ساعات الفجر حتى أحصل على ربطة خبز"، مشيرا، إلى معاناته في عدم انتظام الطوابير عندما يأتي مبكرا، إذ حصل على الرقم 18 لحظة قدومه، لكنه وجد نفسه في الطابور في الرقم 100، بسبب وجود تجاوزات في مسألة حفظ الطابور.

أسعار باهظة

"اشتريت الكيس بـ 370 شيقلا" بملامح يعتليها الصدمة سمع أحمد عثمان إجابة صديقه الذي كان يحمل كيس طحين على كفته، بينما خرج عثمان من بيته يبحث عن كيس طحين.

منذ يومين يبذل عثمان جهدا كبيرا لتوفير كيس طحين لأطفاله، إلا أن محاولاته لم تنجح بعد، فيقول لـ "فلسطين أون لاين": "أعيش في أزمة منذ شهر، ونحن نمضي الأيام بصعوبة، فأحيانا نحصل على كمية طحين من جيراننا أو أقاربنا، لكن في الأيام الأخيرة نفد الطحين من عند الكل في ظل عدم قيام الأونروا بتوزيع الطحين على الناس، ولو أردت الذهاب للمخبز ترى آلاف أمامك".

وأمام شح الطحين بدأ عثمان وعائلته، يعتمدون على أطعمة كالأرز والعدس والمعكرونة، رغم أنه يعاني من مرض يمنع عنه البقوليات.

وبشكل يومي يراجع المئات المركز الرئيس لعمليات الأونروا بخان يونس، للاستفسار عن موعد توزيع الدورة الرابعة، لكن محمد أبو سمرة كان يقف على مدخل المركز بانتظار دوره للاستعلام عن الدورة الثانية والثالثة التي لم يستلم أي منهم، في ظل أزمة الطحين التي اشتدت على جميع المواطنين.

وهذا الحال الذي دفع محمد البيوك للقدوم لنفس المكان، معتبرا أن "الطحين من حق أي مواطن وأسرة إضافة للحصول على سلة غذائية كل فترة منتظمة"، لافتا، إلى أنه لا يستطيع شراء كيس طحين من الأسواق بسبب شحها وارتفاع سعره إذ بلغ نحو 300 شيقل.

ومنذ أكثر من شهر يغلق الاحتلال الإسرائيلي المعابر، ويمنع إدخال البضائع والطحين وفي الأيام الأخيرة أدخل كميات بسيطة لم تسد أدنى احتياجات المواطنين، الأمر الذي أدى لظهور حالة من المجاعة جنوب قطاع غزة، خاصة مع غلاء الأسعار.

اخبار ذات صلة