تبدو آفاق المرحلة القادمة على صعيد الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ولبنان مفتوحة على كل الاحتمالات مع انتخاب الرئيس دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية خلفًا لجو بايدن الذي كان شريكًا مباشرًا في الإبادة الجماعيَّة في قطاع غزة.
ومع الإدراك بخطورة عودة صاحب مشروع صفقة القرن للرئاسة، إلاّ أن إعلانه عن سعيه لإطفاء الحروب وليس إشعالها، مع تركيزه على الشأن الداخلي الأمريكي، يعطي الفلسطينيين يطرح سيناريوهات لوقف حرب الاستئصال ضدهم؛ لذلك يودعون بايدن بلا أسف على رحيله بعدما أوغل في دمائهم.
يعتقد هاني الجمل رئيس وحدة الدراسات الدولية والاستراتيجية بمركز العرب في مصر، أن ترامب يرى الحرب على غزة بشكل مختلف عما يراه بايدن، إذ يرى أن أزمة الشرق الأوسط تنتهي بداية مع الموقف من إيران، فإذا تم حل الموقف مع إيران سواء كان بالتوافق على السلاح النووي أو تهدئة الأمور أو الاتفاق بشكل معلن أو غير معلن، وهذا ما يؤثر على وجهة نظر ترامب بما ينعكس إيجابًا على حرب غزة.
ويرى في حديثه لـ "فلسطين أون لاين"، أن مصير العدوان على قطاع غزة بعد تسلم ترامب الرئاسة سيكون فريق دبلوماسي جديد يقوده ترامب لحل الأزمة.
ووفق الجمل، يضع ترامب نصب عينيه أولا التأكيد على الاتفاقيات الدولية سواء كان مع مصر أو في اتفاق اوسلو سيدعم هذا الأمر من جهة، ومن جهة ثانية سيحاول ترامب أن يعلي من شأن (إسرائيل) وتمددها الواضح.
ويعتقد أن، أهم قضية لترامب في منطقة الشرق الاوسط أو المنطقة العربية ستكون قضية التطبيع وهي القضية الأهم لأنها ستكون الأداة التي من الممكن أن تنتهي بها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وأشار إلى، أنه انتهج هذا النهج منذ رئاسته الأولى والذي استطاع خلالها أن يحدث نوع من أنواع التطبيع بين الامارات والبحرين والمغرب مع الكيان الصهيوني. ومن ثم بدأ يدفع المملكة العربية السعودية لهذا الامر.
وأضاف، "أعتقد أن ضلوعه في هذا الأمر واتجاهه للضغط على السعودية من أجل قبول هذا التطبيع في الوقت الراهن سيكون مفتاحا لحل الأزمة والحرب على قطاع غزة".
وأشار إلى، انه عند زيارة نتنياهو للكونجرس انتزع اعترافا من أميركا رئيس الظل الأقوى في تاريخ أميركا بمجموعة من الاغتيالات وترامب أعطاه شهرا واحدا من أجل انهاء العمليات العسكرية، وانتهاء التوسع الإسرائيلي على الحدود اللبنانية والحدود الفلسطينية.
ورأى أن العصا والجزرة ستكون هي السياسة التي سيتعامل فيها ترامب مع منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أنه بما أن السعودية ستوقف عملية التطبيع حتى يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود ال٦٧ ووقف العمليات العسكرية في غزة فبالتالي سيكون هذا مقابل ذاك لكي يتم حل هذا الأمر.
وتابع: "بالتالي هناك تغيير في السياسة الخارجية الأميركية سواء من خلال رجالاتها الجدد الذين سوف يتعاملوا مع الأمر. ولكن الثوابت الأميركية وخاصة ما يراه ترامب من أجل التطبيع لا بد أن يكون هناك هدوء في الشرق الاوسط".
ومع ذلك ينبه إلى، أن ترامب في تعامله مع القضية الفلسطينية له رؤية سلبية مبنية على أن يكون هناك إحداث تغيير ديمغرافي ما بين العزل المكاني والزماني بالنسبة للقدس والمقدسات الدينية ومن ثم كان يسمح لاسرائيل بهذا التغول والتوسع اللامحدود على الارض الفلسطينية.
وقال: للأسف نقله للسفارة الأميركية للقدس الشرقية شيء معيب جدًا، فضلا عن اعترافه بالجولان للكيان وهذا صعب. والأصعب ما نراه عندما دعا مسؤول المستوطنات في الضفة الغربية إلى حفل تنصيبه هذا يؤكد أنه سوف يتم الاعتراف بالعديد من الأراضي الجديدة التي استطاعت (إسرائيل) أن تضع يدها عليها خلال الحرب.
عقاب الديمقراطيين
أما د. ماجد الخواجا الخبير في الشؤون العربية فيرى أن فوز ترامب والحزب الجمهوري يأتي عقاباً للحزب الديمقراطي وبايدن الذي وصل إلى أن تتعثر الكلمات على لسانه ولم تعد تحمله أقدامه وأصبح غير قادر على الإتزان في حركاته وتصريحاته وكان استبداله بهاريس متأخرا كثيراً فهي لم يتح لها المجال والوقت لتقديم نفسها للناخب الأمريكي.
وقال لـ "فلسطين أون لاين": "لهذا ربما الأدق القول أن الحزب الديمقراطي قد خسر الانتخابات، أولويات ترامب العربية لم تتغير وكان طوال فترة حملته الانتخابية يتقدم بخطوات عن بايدن في دعوته لضرب إيران وتدمير قوتها بالكامل، وفي ضرب لبنان وتدمير حزب الله بالكامل وطبعاً الدعم والتأييد غير المحدود لنتنياهو وعصابة المتطرفين معه، فإذا توقفنا عند هذه التصريحات فهو لا يحمل خيراً للعرب قاطبةً".
وأضاف: "إذا اعتقد أنه سيواصل طريقة فرض القوة والرأي على الدول العربية، هذا يعني إعادة إحياء صفقة القرن التي لا تتجاوز موضوع صفقة تجارية تبادلية يكون هو فيها الوسيط غير النزيه والذي يحصد أكبر المكاسب منها، المفارقة أن العرب ليس لديهم اولويات، وبالتالي فهم سيرضخون ويذعنون لأية تصورات ومبادرات يتبناها ترامب ويفرضها لا يعرضها علينا".
وأشار إلى، أن هناك الكثير من السيناريوهات السوداوية في رأس ترامب، فقد يكون من ضمن تفكيره في القضية الفلسطينية أن يكون هناك حلاً لها على حساب مصر والأردن، بحيث تتولى مصر تسكين ومعيشة أهل غزة وربما ترحيلهم إلى سيناء وبناء مجمعات مغلقة عليهم كالمستوطنات ويتم تمويل كل ذلك أيضاً من جيوب العرب أنفسهم، وربما يتم قضم المنطقة أ بالكامل من مناطق السلطة الفلسطينية والتي تشكل ما نسبته 30-40% من أراضي الضفة الغربية، وحشر الفلسطينيين في باقي الأراضي مع إدخال الأردن في الإشراف وربما في إعادة إحياء ما تدعى بالكونفدرالية تحت مسمى المملكة الهاشمية والتي طرحت في مفاصل سابقة مع احتمالية العمل على نقل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى سوريا أو ما تبقى من أراضي الضفة وطبعاً يحتاج الأمر إلى توفير مظلة دعم مالي كبيرة وخاصة من دول الخليج.
وقال: "أي ان هذه الخيارات ستعزز من قوة الكيان الصهيوني وتمنحه مساحات واسعة من الأرض الفلسطينية، وهو في كل ذلك يفكر بطريقة التاجر اللئيم الداهية، ناهيك عن أنه يحمل لواء تحقيق الرؤى البروتستانتية في الخلاص اليهودي وقيام المملكة السليمانية بهيكلها المزعوم. لتبقى سوريا وإيران ضمن خيارين الأول القبول والرضوخ لحلول ترامب وهنا يتم رفع الحصار عنهما وتقوية العجلة الاقتصادية فيهما، أما الخيار الثاني المتمثل بمواصلة الرفض والمعارضة، سيتم التفكير بالتخلص من النظام السياسي القائم بطرق استخباراتية أو بعزلهما ومواصلة إنهاكهما اقتصاديا".
أما ما يتعلق بالعدوان على غزة فأشار إلى الاحتمالات المستقبلية التي سيتبناها ترامب ومن ضمنها حشر أهل غزة في شريط ضيق وتحت المراقبة العسكرية مع مساحات من الحواجز الأمنية، أو أن يتم الترحيل إما بترحيلهم إلى سيناء أو لدول أخرى يمكن قبولها لمثل هذا الإجراء.
وقال: في جميع الأحوال فإن المعطيات العالمية تغيرت تماماً عما كانت عليه أثناء الولاية الأولى لترامب، وإذا لم يدرك ترامب هذه الحقيقة فقد تنفجر المنطقة بأحداث لا يمكن التنبؤ بها أو السيطرة عليها.
تصفير المشاكل
وبخلاف الخواجا، يعتقد د. حسام الدجني المحلل السياسي أن برنامج ترامب في السياسة الداخلية كبير ومثقل وهذا قد يدفعه باتجاه تصفير كثير من المشاكل ضمن السياسة الخارجية التي لديها فيها ثلاثة ملفات: الأول ملف تايوان والصين الشائك والصعب والمعقد وسيكون هذا الملف مرهق للسياسة الأميركية. والثاني صراع اوكرانيا روسيا. وهناك الصراع الاسرائيلي مع الفلسطينيين واللبنانيين.
وأوضح الدجني في حديثه لـ "فلسطين أون لاين"، أن الملفات الثلاثة يجب أن يعمل ترامب على أقل تقدير على تبريد ملفين منهم حتى يتسنى له تنفيذ سياسته الداخلية.
وبين أنه، في إطار ملف الشرق الاوسط الأولوية لاستعادة التطبيع والسلام الابراهيمي عبر تبريد ملفات لبنان وغزة، بما يضمن أمن إسرائيل. ورأى أن سيعمل جاهدا لإنهاء الحرب ضمن مقاربات سياسية أولوياتها السياسية تتعلق بترسيخ مكانة اسرائيل في منطقة الشرق الأوسط من خلال عقد اتفاقيات سلام ابراهيمي على وجه التحديد مع السعودية.
وتوقع أن يكون مراكز الثقل في سياسة ترامب تقليم اظافر حزب الله ومحاولة دفعه لأن يكون حزبا سياسيا في لبنان. وفي موضوع غزة سيعمل عبر انهاء الحرب حتى يمهد الطريق للسلام مع السعودية ومع دول عربية أخرى.
وقال: هذا ما يطمح له ترامب في الشرق الاوسط، أي هيمنة أميركا من خلال السلام الابراهيمي يضمن لها اغلاق الباب أمام الصين وأمام تمددها في منطقة الشرق الأوسط. وفي نفس الوقت لا تقحم أميركا في صراعات وحروب جديدة في الشرق الاوسط.
ويرى الدجني أن ترامب ربما يتجه ترامب للاحتواء أكثر للصراع في المنطقة وفق مقاربة تخدم استراتيجيا اسرائيل ولا تخدم الفلسطينيين.
وأردف: "ترامب من أنصار الصفقات لا الحروب، وهنا هل ممكن تقبل الاطراف المختلفة الصفقات وفق رؤية ترامب. مثلا موضوع الاستيطان وضم أجزاء من الضفة الغربية كما وعد إسرائيل بتوسعتها متسائلًا هل يمكن أن تقبل السلطة والأطراف الفلسطينية وحتى النظام الاقليمي العربي. وما تأثير ذلك على السلام الابراهيمي الذي سيتربع على رأس أولويات ترامب، أي زج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وتعزيز مكانتها كدولة طبيعية وقوية ومهيمنة.