يطبق جيش الاحتلال "الإسرائيلي" حصاره العسكري شهر كامل على شمال قطاع غزة وسط جرائم وحشية ومجازر جماعية ضد المدنيين والمنشآت الصحية والإغاثية.
ويعيش نحو 100 ألف مواطن في مناطق شمال القطاع (بيت لاهيا، بيت حانون، جباليا)، دون طعام أو شراب أو مياه صالحة للشرب أو رعاية صحية، ويتعرض هؤلاء لمجازر وحشية وتدمير للبيوت على ساكنيها وقصف مراكز الإيواءالأممية على النازحين فيها.
ولم تسلم المستشفيات الصحية (كمال عدوان، الإندونيسي، العودة) المتهالكة أصلا جراء العمليات العسكرية المتكررة منذ 7 أكتوبر 2023م من الحصار واعتقال الكوادر الصحية والقصف الوحشي وحرق مستودعات الأدوية، وأضحت حاليا غير فاعلة وخارجة عن الخدمة.
واستخدم جيش الاحتلال "روبوتات آلية" و"مكعبات بلاستيكية" محملات بالمتفجرات لنسف مربعات سكنية واسعة، ودفع ذلك رئيس بلدية بيت لاهيا علاء الدين العطار لإطلاق نداء استغاثة عاجلاً، أعلن فيه أن المدينة منكوبة.
ولا تزال طواقم الدفاع المدني معطّلة قسرًا بفعل الاستهداف والعدوان الإسرائيلي المتواصل والحصار المطبق على الشمال منذ شهر كامل.
وأفاد الدفاع المدني بأن الاحتلال هاجم طواقمهوسيطر على مركباته وشرد غالبيتهم إلى جنوب القطاع واختطف 7 منهم، كما لا يسمح القيام بعمليات الإنقاذ وانتشال الضحايا.
وتعجز الطواقم الطبية التي خرجت غالبية مركباتها عن الخدمة انتشال جثامين الشهداء من الطرقات حتى شوهد نهشها من الكلاب والقطط، وانتشرت قبور الشهداء عشوائيا في الطرقات ودون معرفة هوياتهم.
وأفاد المكتب الإعلامي الحكومي بارتقاء أزيد عن 1800 شهيد وإصابة نحو 4 آلاف آخرينبمحافظة شمال غزة من بينهم أكثر من 90 شهيدا إثر قصف عمارة سكنية تتكون من 5 طوابق وتؤوي قرابة 150 نازحا تعود لعائلة أبو نصر في مشروع بيت لاهيا.
أهداف غير معلنة
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي سامر عنبتاوي التوجه العسكري الإسرائيلي لشمال غزة أمرا كان متوقعا كغيرها من الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ بهدف تحقيق "أطماع أمنية أو استيطانية".
ورأي عنبتاوي في حديثه لـ"فلسطين أون لاين"أن الاحتلال يسعى إلى تحقيق أهداف "غير معلنة" في منطقة شمال القطاع.
وأوضح أن الاحتلال يسعى إلى تحقيق أهداف كجعل غزة غير قابلة للحياة وإجبار السكان على التهجير القسري والسيطرة الأمنية على مناطق معينة كـ"خطة الجنرالات" في شمال غزة.
والخطة المذكورة تهدف إلى السيطرة العسكرية على شمال غزة، وذلك بتهجير سكان المنطقة إلى الجنوب ثم فرض حصار كامل على الشمال بما في ذلك منع دخول الإمدادات والمساعدات الغذائية والماء والوقود، واستخدام التجويع وسيلة ضغط للتهجير.
ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن الاحتلال شرع في منع دخول المواد الغذائية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أي قبل 5 أيام من العملية العسكريةالتي بدأت في 5 أكتوبر الماضي.
ورغم ذلك، أكد عنبتاوي أن صمود المقاومة والحاضنة الشعبية عامل أساسي في إفشال الخطة المذكورة.
وبحسب الباحث الإسرائيلي عيدان لاندو فإن هدف "خطة الجنرالات" -التي أُميط اللثام عنها في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو تفريغ شمال قطاع غزة من سكانه الصامدين.
واعتبر لاندو، في مقال نشرته وسائل إعلام عبرية، فإن إعطاء إنذار مسبق لأهالي شمال غزة لإخلاء المنطقة "كذب".
وأوضح أن البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف ينص بوضوح على أن إنذار المدنيين بالفرار لا ينفي صفة الحماية عن الباقين، ومن ثم لا يسمح للقوات العسكرية بإلحاق الأذى بهم، كما أن الحصار العسكري لا ينفي التزام الجيش بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية للمدنيين.
إلى جانب ذلك، فإن "التشدق" بالقانون الدولي الإنساني ليس له أي تأثير، لا سيما أن من يقود الخطة -وهو اللواء احتياط غيورا آيلاند- ظل طوال العام الماضي يدعو إلى فرض عقاب جماعي على جميع سكان غزة.
وأشار إلى أن الغارات الإسرائيلية المتواصلة والحصار الشامل الذي يحول دون دخول جميع المواد الغذائية والطبية إلى شمال غزة "سياسة تجويع متعمدة".
ووصف الإنذار "النهائي" الذي وجهته واشنطن لدولة الاحتلال الشهر المنصرم بالسماح بدخول شحنات المساعدات إلى شمال غزة في غضون 30 يوما بأنه "سخيف".
ووفقا للكاتب الإسرائيلي فإن سياسة التجويع التي ينتهجها الجيش شمال غزة لم تقتصر على منع دخول المواد الغذائية بل تعدت إلى قصف مخزن الطحين (الدقيق) الوحيد في المنطقة، كما قصفت طائرة حربية مركز لتوزيع الغذاء تابع للأمم المتحدة في جباليا، مما أسفر عن استشهاد 10 مواطنين.
واعتبر ذلك "جريمة حرب واضحة وضوح الشمس، وتشكل جزءا مهما من قضية الإبادة الجماعية ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية".
ثلاثة جرائم
وتعليقا على ذلك، وصف وزير العدل الفلسطيني السابق د.محمد شلالدة، الجرائم الإسرائيلية اليومية في غزة، بأنها "جرائم حرب" و "جرائم ضد الإنسانية" و"إبادة جماعية".
وأوضح شلالدة لـ"فلسطين أون لاين" أن(إسرائيل) تواصل جرائمها مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية التي تستخدم حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي ضد حقوق شعبنا.
وأشار إلى أن مسؤولية إيقاف جرائم الاحتلال وحرب الإبادة الجماعية في غزة يقع على عاتق المحكمة الدولية المطلوب منها حاليا خطوات عاجلة لوقف هذه الحرب.
وبيّن أن المسؤولية القانونية الدولية تقع على (القوة القائمة بالاحتلال) بدءا من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وصولا لأصغر ضابط وجندي مشارك في هذه الحرب، وبالتالي فإن ذريعة "الدفاع عن النفس" لخوض هذه الحرب غير قانونية.
وشدد على ضرورة دعوة الدول العربية والإسلامية للانضمام لدعوة دولة جنوب أفريقيافي قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد (إسرائيل) في محكمة العدل الدولية.
وسبق أن طلبت دولة جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية يوم 29 ديسمبر/ كانون الأول 2023 إصدارَ أمر عاجل يعلن أن (إسرائيل)تنتهك التزاماتها في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948.
وأكد شلالدة أن (إسرائيل) تنتهك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ورأي أن السبب وراء ذلك "غياب الجزاء والعقاب".
وتتضمن الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا طلبًا من المحكمة الدولية بأن تصدر بشكل عاجل أوامر مؤقتة ملزمة قانونًا لـ(إسرائيل) "بتعليق عملياتها العسكرية على الفور في غزة وضدها".
وتعليقًا على ذلك، شدد شلالدة أن "القانون الدولي دون مسائلة يبقى حبرا على ورق".
وسبق أن وصف المتحدث باسم الأمم المتحدة الأوضاع شمال غزة بـ"مستويات مروعة من الموت والإصابات والدمار". كما حذرت منظمة أطباء بلا حدود أيضا من أن شمال غزة يواجه شتى أنواع الموت بسبب القصف الإسرائيلي العنيف والمتواصل .