عندما قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزلًا مجاورًا لمنزله، سارع مروان شهوان بقلب مشحون بالغضب لتفقد الدمار الذي حل بالمتحف الذي يقيمه في قبو منزله في خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وتعود محتويات المتحف إلى خمس حقب تاريخية وإمبراطوريات قديمة هي: اليونانية والبيزنطية والرومانية والمملوكية والعثمانية، وتضم أسلحة وملابس عسكرية بيزنطية، وآثار عثمانية، وعمود رخام روماني، وأوانٍ يونانية، فضلا عن قذائف حجرية وعجلات طائرة حربية عملت بالحرب العالمية الأولى.. كل هذه القطع التاريخية آلاف من الآثار النادرة تجتمع في مكان واحد لا تزيد مساحته على 150 مترًا مربعًا. مجرد سرداب تحت الأرض يقع في حي شعبي فقير وسط مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة في فلسطين.
خلال عدوانها على وسط خان يونس، قصفت قوات الاحتلال منزلًا تسبب بتدميره وتدمير واسع في منزل شهوان بما في ذلك مدخل القبو الذي يضم المتحف.
يقول المواطن الغزيّ شهوان لـ "فلسطين أون لاين": "للأسف وكباقي المواقع الأثرية في القطاع تضرر متحفي والقطع الأثرية بسبب قصف مكثف بجوار المتحف"، مردفًا بأسف أنه لم يستطع عمل شيء لإنقاذ هذه القطع الأثرية وأبقاها كما هي وغادر المكان، قائلا: الأوضاع الجارية لا تسمح بقيام أي عمل إنقاذ للقطع بسبب العدوان والقصف المتواصل.
يأمل شهوان أن تبقى القطع الأثرية وألا تتعرض لمزيدٍ من القصف او النهب، ليتمكن من إعادة تأهيل المتحف كما كان وأفضل.
ورأى أن المطلوب لإنقاذ غزة وكل ما فيها من بشر وآثار هو وقف الحرب، مضيفًا: "لأن إيقاف الحرب سيقوم بإنقاذ الناس الذين هم أنفسهم سيقومون بالمحافظة على المتاحف وترميمهم واعادتهم كما كانوا وبشكل أفضل أيضا.
وإلى ما قبل الحرب في 7 أكتوبر/2023 كان شهوان يعمل على تطوير متحفه حتى جاءت الحرب وما خلفته من تدمير وقصف ممنهج.
ويشير إلى، أن قلقه يزداد لأن الاحتلال تعمد استهداف المواقع الأثرية والتراثية في مناطق القطاع كافة من متاحف ومساجد وكنائس وغيرها. ويتابع لاحظنا تعمد الاحتلال قصف هذه الأماكن لمحو الهوية الفلسطينية لأنه يعلم أن هذه الأماكن دليل على أحقيتنا في هذه الأرض لذلك قرر التخلص منها بل وقيامه بسرقة بعض منها.
بداية القصة
حكاية هذه القطع الأثرية بدأت قبل 35 عاما حينما بدأ الفلسطيني مروان شهوان بجمعها ووضعها في سرداب منزله حتى حوّله إلى متحف يضم ما يزيد على عشرة آلاف قطعة بينها أسلحة مختلفة وآلات ميكانيكية وحُليّ وملابس عسكرية ومدنية وأدوات نجارة وزراعة وحلاقة وأوانٍ منزلية.
ويعمل مروان شهوان نجارًا وهي مهنة امتهنتها عائلته على مدار سنوات، وكان متخصصًا في صناعة الأثاث و(الموبيليا) في قطاع غزة.
وبحكم عمله في النجارة زار مروان شهوان كثيرًا من المنازل في جنوب وشمال قطاع غزة خلال تركيب أثاث المنازل، وكان يستمع لروايات كبار السّن عن سرقة ضباط الاحتلال لآثار قطاع غزة ويحدثونه أنهم كانوا يجدون في أراضيهم قطع أثرية قديمة ويقوم بعض الناس بشرائها منهم وبيعها لكسب المال.
وهكذا جاءت لمروان فكرة جمع هذه الآثار المبعثرة هنا وهناك وتجميعها لجانب هوايته في جمع القطع النحاسية.
كان يسأل ويبحث عن القطع النادرة حتى عرف الناس أنه يبتاع كل قطعة نادرة، وبعضهم كان يمنحه ما يعثر عليه تقديرًا لاهتمامه.
بداية جمع مروان للقطع كان بطريقة سرية حيث يجمعها في بيته بسبب وجود الاحتلال في تلك الفترة حيث كان الاحتلال يسرق الآثار والنبش عنه وأخذه من الناس. وبعد اندحار الاحتلال من قطاع غزة راودت مروان فكرة عمل متحف في سرداب تحت الأرض لتصبح مساحته، التي لا تزيد على 150 متراً مربعاً، موطناً لإبراز القطع وعرضها في مكان واحد يبرز أهمية هذه القطع وأهمية آثارنا وحضارتنا للناس.
وتقديرا لجهوده، منحته وزارة الآثار شهادات تقدير بسبب جهوده ومحافظته على الآثار والتراث ومنحته ترخيصًا للمتحف وتوثيق قطعه وإرسال الزوار والسياح للمتحف.
بدأ متحف مروان يبرز داخل القطاع وأصبح الناس يأتون لزيارته من داخل القطاع ومن خارجه من السياح، وكان منهم سفير نرويجي وكان سعيدًا جدًا في هذه الزيارة وأصيب بالدهشة لما رآه وأيضًا وزيرة إعلام صينية، وسبق أن أجرى الكثير من المقابلات الصحافية والإعلامية حول متحفه وما يضمه من قطع أثرية.
بعد هذه الزيارات أصبح لدى مروان هدف عرض متحفه في معارض ومتاحف عالمية، لإبراز أهمية الآثار والتراث الفلسطيني.
ويحتوي المتحف على أكثر من عشرة آلاف قطعة، تضم قطع من قبل الميلاد وخمس حقب تاريخية: اليونانية، والبيزنطية، والرومانية، والمملوكية، والعثمانية. تشمل أسلحة، وآلات ميكانيكية، وحُليّ، وأدوات نجارة وزراعة، بالإضافة إلى ملابس عسكرية بيزنطية وعمود رخام روماني وأوانٍ يونانية.
كما يضم أدوات من العصر العثماني، مثل قدور وأباريق القهوة ومصابيح زيتية. ويحتوي المتحف على قذائف منجنيق وصناديق رصاص وأسلحة نارية من زمن الاحتلال البريطاني، وعجلات طائرة تعود إلى الحرب العالمية الأولى.
وعلى أحد جدران المتحف لافتة حديدية توثق افتتاح خط سكة حديد يربط غزة ببلاد الحجاز، نُقشت عليها عبارة "من خيرات مولانا أمير المؤمنين السلطان الغازي عبد الحميد خان الثاني عزّ نصره".
وجمع شهوان أيضاً مطاحن قمح حجرية وأحواض غطس للأطفال كان يستخدمها المماليك، بالإضافة إلى أدوات صناعة السفن والمراكب البحرية، وخصص ركناً خاصاً للآثار الرومانية، حيث تتجمع قطع النقود المعدنية والقدور النحاسية والنقوش والزخارف الهندسية.
ويضم المتحف مجموعة من المجوهرات النسائية من الأحجار الكريمة والفضة، كخواتم وقلائد يعود تاريخها إلى الحقبة اليونانية، وعموداً رخامياً كبيراً مع مجموعة تعود إلى العهد البيزنطي ومجموعة نادرة من الأحجار والقطع الأثرية التراثية، والنقوش والزخارف الهندسية الجميلة، وبعض النقود المعدنية التي تعود لحقب تاريخية متعددة، وملابس نسائية لنساء فلسطينيات قبل النكبة الفلسطينية عام ١٩٤٨م، ونسخة تاريخية من القرآن الكريم وغيرها.