في الوقت الذي تحفظت فيه الأحزاب الإسرائيلية على الإدلاء بأي تصريح ناقد لخطة "إنقاذ القدس" وتداعياتها على مستقبل المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وعد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بتقديم الخطة إلى الإدارة الأميركية كجزء من الرؤية الإسرائيلية لمقترح العاصمة الفلسطينية في بيت حنينا.
وخطة "إنقاذ القدس" مشروع سياسي أعدته عضو الكنيست من حزب "الليكود" عنات باركو، وقدمته لرئيس الحكومة مؤخرا، وتقضي بالتنازل عن البلدات والتجمعات الفلسطينية بالقدس ونقلها لسيادة السلطة الفلسطينية، عبر عزلها عن المدينة المحتلة بجدار عازل، وذلك لضمان أغلبية يهودية بالمدينة المقدسة مع أقل عدد من الفلسطينيين الذين سيتم منحهم الجنسية الإسرائيلية.
وحسب دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، يبلغ عدد سكان القدس 882 ألف نسمة، نسبة اليهود منهم 73% بواقع 550 ألف إسرائيلي؛ منهم 210 آلاف يقطنون بالمستوطنات شرقي القدس التي يبلغ عدد سكانها الفلسطينيين 332 ألف نسمة، يشكلون 27% من التعداد السكاني للمدينة، في حين عزل الجدار نحو 170 ألف مقدسي عن المدينة المحتلة.
طرد وجذب
وتجمع الفعاليات المقدسية بأن الخطة ليست وليدة الصدفة، بل هي نتاج تراكم مخططات التهويد والاستيطان التي أطلقتها رئيسة وزراء الاحتلال جولدا مائير عام 1973، وتهدف إلى تهويد القدس وتفريغها من الفلسطينيين، وتأتي "باركو" في هذه المرحلة لتحديث الخطة بموجب التطورات ومستجدات الديموغرافيا والجغرافيا التي فرضتها حكومات الاحتلال المتعاقبة.
ويعتقد خبير الخرائط والاستيطان في بيت الشرق خليل تفكجي بأن سلطات الاحتلال تتوج الآن مخططاتها الاستيطانية والتهويدية للقدس، وتتواجد في مرحلة حسم الصراع الديموغرافي والجغرافي لصالح أغلبية يهودية، وذلك عبر التخلص من الوجود الفلسطيني بالمدينة المحتلة والعودة إلى حدود بلدية القدس في عهد الدولة الأردنية بالتنازل عن الأحياء الفلسطينية بضاحية القدس على مساحة ستة كيلومترات مربعة.
واستعرض تفكجي المشاريع والمخططات التي نفذها الاحتلال لتفريغ القدس من سكانها الأصليين وجذب الإسرائيليين، مبينا أنه منذ الاحتلال تمت مصادرة 87% من مساحة شرقي القدس، كما تم هدم أكثر من عشرة آلاف وحدة سكنية وسحب الإقامة والطرد لـ15 ألف عائلة.
كما دشن الاحتلال شبكة طرق وأنفاق وشوارع التفافية ومشاريع بنى تحتية تمهد لضم الكتل الاستيطانية "معاليه أدوميم" شرقا و"غوش عتصيون" جنوبا و"موديعين" غربا للقدس، والتخطيط لسكة حديدية تربطها أيضا بمركز البلاد، وكذلك التخطيط لمطار دولي في منطقة "النبي موسى" شرق القدس.
ولفت تفكجي في حديثه "للجزيرة نت" إلى أن هناك "إجماعا صهيونيا حول الإبقاء على القدس موحدة"، موضحا أن الحديث يدور حول صراع ديموغرافي ووجودي بالنسبة للإسرائيليين، حيث بلغت نسبة زيادة اليهود بالقدس 180%، في حين ارتفع عدد المقدسيين في ظل الاحتلال بنسبة 368% على الرغم من مخططات التهجير والتشريد القسري التي تعتمدها المؤسسة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.
لكن ثمة تقديرات إسرائيلية ترجح بأن أعداد المستوطنين تتراجع سنويا رغم عوامل الجذب والتحفيز، وتوقعت أن تنخفض عام 2030 إلى 58% على أن يكون الفلسطينيون أغلبية بحلول عام 2050 بواقع 55%.
وحول انعكاس المخططات الاستيطانية وتداعياتها على المقدسيين وعلى مستقبل أي تسوية سياسية، قال تفكجي إن الاحتلال بصدد الإعلان عن "القدس الكبرى" التي تشكل 10% من مساحة الضفة الغربية التي يجري تشريع قوانين لضمها لسيادة الاحتلال بموجب قرار سياسي سيتخذ تماشيا مع الظروف الإقليمية والدولية، بينما يهدف المشروع الاستيطاني إلى السيطرة على 60% من مساحة الضفة الغربية؛ مما يستحيل تطبيق "حل الدولتين".
حسم وعزل
من جانبه، يرى مدير مركز معلومات "وادي حلوة سلوان" جواد صيام أن (إسرائيل) تسابق الزمن في هذه المرحلة لحسم المعركة على القدس القديمة أو ما تسيمه "الحوض المقدس" للإبقاء عليها تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة مع ضمان ما تسميه حرية الأديان في الكنائس والمسجد الأقصى بإشراف ورقابة دولية، على أن يتم استحداث مشاريع بنى تحتية بالمدينة داخل الأسوار بتدشين شبكة أنفاق خاصة لتنقل المستوطنين والسياح الأجانب وطرق التفافية ومغطاة تحول دون الاحتكاك بالفلسطينيين.
وأوضح في حديثه "للجزيرة نت" أنه عقب التوقيع على اتفاق "أوسلو"، بدأ الاحتلال تكثيف مشاريع الاستيطان والتهويد وفرض وقائع على الأرض لتسليم الأحياء السكنية الفلسطينية شرقي القدس للسلطة الفلسطينية لتتولى إدارة الشؤون المدنية للسكان على أن تبقى المسؤولية الأمنية للاحتلال.
وفي هذه المرحلة -يقول صيام- يوشك الاحتلال على إنجاز مخططاته لتصرح للمجتمع الدولي بأن العاصمة الفلسطينية هي بيت حنينا والمجلس التشريعي في أبو ديس، مبينا أنه عقب الانتهاء من بناء الجدار ونقل الحواجز العسكرية وشق الطرق الالتفافية لتفصل التجمعات الفلسطينية عن الكتل الاستيطانية، فالكثير من التجمعات المقدسية باتت معزولة عن المدينة المحتلة.