قائمة الموقع

تاريخ طويل سبق "الطُّوفان".. كيف جنَّدت إيران جواسيس لها في "إسرائيل"؟

2024-10-30T17:10:00+02:00
تاريخ طويل سبق "الطُّوفان".. كيف جنَّدت إيران جواسيس لها في "إسرائيل"؟

تثير قضايا التجسس من قبل إسرائيليين لصالح المخابرات الإيرانية القلق للمؤسسة الأمنية والمجتمع، لأن هناك من اليهود من هم على استعداد للعمل في مهام سرية مقابل أموال لدولة معادية، مما يعدّ صدمة للمجتمع الإسرائيلي وسط حالة الاستقطاب والانقسامات التي تفككه، بحسب قراءة للمحلل الاستخباري والإستراتيجي في صحيفة "هآرتس" يوسي ميلمان.

وقدر ميلمان أن جهود المخابرات الإيرانية المتواصلة على مدى سنوات طويلة والتي تصاعدت خلال العام الأخير، تعكس تطلع طهران لتوسيع دائرة شبكة العملاء والتجسس التي تعمل لصالحها داخل إسرائيل، قائلا إن "اقتراح طهران في السابق على أحد المجندين من أصل إيراني تأسيس ناد للإسرائيليين هو مثال كلاسيكي، حيث يمكن أن يتحول الكم إلى نوع".

ويقول ميلمان "صحيح أن القدرات المضادة للشاباك، إلى جانب عمليات الاستخبارات العسكرية والموساد، تشير إلى أن المخابرات الإسرائيلية لها اليد العليا، وأنها توغلت في إيران بشكل أعمق بكثير مما توغلت في إسرائيل، لكن الإخفاقات لا تردع المخابرات الإيرانية التي تعمل بلا توقف ولا ينبغي الاستهانة بها".

وأوضح المحلل الاستخباري والإستراتيجي أنه لا ينبغي التقليل من محاولات أجهزة المخابرات الإيرانية لتجنيد عملاء للنشاط داخل إسرائيل، خاصة عندما يكون جل نشاطها واهتماماتها اليهود الذين يعيشون في إيران.

وقال إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تستخف بهذا النشاط الإيراني، حيث تم توسيع نشاط وكوادر الوحدة المخصصة التي تتعامل مع مراقبة الاستخبارات الإيرانية وحزب الله، والتي تعمل ضمن قسم مكافحة التجسس والجهات الخارجية.

تاريخ ممتد قبل "الطوفان"

ولم تقتصر الجهود الإيرانية لتجنيد الجواسيس داخل إسرائيل خلال الحرب على غزة، فقد سبق أن أعلن جهاز الشاباك والوحدة الوطنية للتحقيقات الدولية، في يوليو/تموز الماضي، اعتقال ثلاثة إسرائيليين من اليهود الحريديم للاشتباه في قيامهم بأنشطة أمنية بتوجيه من مسؤولي المخابرات الإيرانية، حيث تشعر إسرائيل بالقلق من توجهٍ طهران لتجنيد اليهود الحريديم المتشددين بحكم أنهم أقل وعيا بالمخاطر أو أن ولاءهم ضعيف ويطمعون في المال.

كما كشفت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول 2023 عن وجود شبكة تجسس إيرانية تجند عملاء في إسرائيل عبر الإنترنت مقابل المال، وقال الشاباك إن "مسؤولي الأمن الإيرانيين اتصلوا بإسرائيليين عبر عدد من المنصات، وتظاهروا بأنهم وسطاء عقارات، أو مهتمون بتسويق الطائرات من دون طيار، أو بالمواعدة عبر الإنترنت، أو بالبحث عن محققين خاصين، وخدمات البريد السريع".

وفي عام 2022، تم الكشف عن قضية معقدة تتعلق بمحاولة إيرانية لتجنيد جواسيس من المغتربين الإيرانيين في إسرائيل عن طريق حساب وهمي على موقع "فيسبوك" باسم رامبود نمدار، تظاهر بأنه شخص يهودي إيراني مهتم بالهجرة إلى إسرائيل، واتصل بعشرات الأشخاص، معظمهم من النساء اليهوديات من إيران، واكتسب ثقتهم من خلال محادثات طويلة.

وتدريجيا طلب منهم القيام بمهام مختلفة مثل تصوير المواقع والمنشآت الحيوية والإستراتيجية في إسرائيل وتحويل الأموال، ليتم القبض لاحقا على 5 مشتبه فيهم في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ومحاكمتهم في المحكمة المركزية في القدس، مما أثار صدمة الجالية الفارسية في إسرائيل.

أما القضية التي أذهلت الجمهور الإسرائيلي أكثر من غيرها فحدثت عام 2018، عندما تم اعتقال وزير الطاقة السابق غونين سيغيف للاشتباه في تجسسه لصالح إيران، حيث تم تجنيده من قبل السفارة الإيرانية في نيجيريا، وأُدين بـ"التجسس الخطير وتقديم معلومات للعدو" بعد أن قدم معلومات عن المنشآت الإستراتيجية والمؤسسات الأمنية والمسؤولين الإسرائيليين، وحكم عليه بالسجن لمدة 11 عاما في إطار صفقة الإقرار بالذنب.

وفي عام 1997، أُلقي القبض على رجل الأعمال الإسرائيلي ناحوم منبر للاشتباه في وجود علاقات له مع إيران، حيث باع لإيرانيين أسرار إنتاج غاز الأعصاب وغاز الخردل، وزودهم بالمعدات اللازمة لإنتاج الأسلحة الكيميائية، لكنه ادعى أنه تصرف لأسباب تجارية فقط، في حين اعتبرت المحكمة أن أفعاله تعرض أمن الدولة للخطر، وأدانته بـ"مساعدة العدو" وحكمت عليه بالسجن 16 عاما.

واعتبرت الكاتبة أن قصة تجنيد فيكتورسون وبرنشتاين أكثر تعقيدا، حيث إن تصرفاتهما، مثل رسم الغرافيتي وتشغيل السيارات. فالموافقة على اغتيال شخصية بارزة في إسرائيل، تثير الكثير من التساؤلات، "فمن الصعب تصديق أن المال وحده هو ما يحرك هذه الأفعال. هذه مهام يدفعها أيضا حب الإثارة، وتحدي القانون، والشعور بنشوة المشاركة في عملية سرية وخطيرة".

كيف جندت إيران جواسيس لها في "إسرائيل"؟

اعتبرت باحثة إسرائيلية متخصصة في السلوكيات خلال العصر الرقمي أن أهم الأسباب التي تدفع المواطنين الإسرائيليين للاستجابة لإغراءات استخبارات دول معادية، هي الرغبة في خوض تجارب مثيرة، والحوافز المالية، والبحث عن المعنى.

وقالت الباحثة ليراز مارغاليت من جامعة رايخمان العبرية، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، إنه تم الكشف في الأسابيع الأخيرة عن حالتين إضافيتين لإسرائيليين وافقوا على التجسس والتعاون مع الاستخبارات الإيرانية.

سؤال مؤلم

تثير عمليات التجنيد -حسب الكاتبة- سؤالا مؤلما: ما الذي يدور في ذهن المواطن الإسرائيلي ليقبل بعرض للتجسس لفائدة إيران -العدو اللدود لإسرائيل في الوقت الراهن- ويخون بلده؟

وأكدت الكاتبة أن الإيرانيين لا يعملون على تجنيد الجواسيس بشكل عشوائي، بل يعملون على إعداد ملف نفسي متكامل لاستقطاب من يتناسب مع أهدافهم، ويتضمن ذلك سمات محددة لاختيار شخص على حساب آخر.

وأوضحت أن فهم الدوافع النفسية التي تحرك الشخص هو المفتاح لفهم عمليات التجنيد الاستخباراتية، فكل إنسان لديه عدد من الدوافع التي تحركه، منها الحاجة للتقدير، والارتباط والقرب، والتأثير والمساهمة، واليقين أو الإثارة.

وأضافت أن معظم الناس لا يعرفون ما هي تلك الدوافع التي تقود قراراتهم واختياراتهم، وأحيانا يتطلب الأمر مساعدتهم للوصول إلى ذلك.

ليس المال وحده

ورغم أن كثيرين يظنون أن المال هو الدافع الرئيسي للتعاون مع الإيرانيين، فإنه ليس الدافع الوحيد -وفق الباحثة الإسرائيلية- فالمال هو جزء من القصة، لكن الحاجة العاطفية والنفسية لتعبئة الفراغ العاطفي، والشعور بالإثارة، والإحساس بالمعنى، كلها عوامل تلعب دورا في عملية التجنيد.

وفي حالة ميمان وهو رجل يبلغ من العمر 75 عامًا ومتهم بالتجسس لصالح طهران، رغم أنه طلب مبلغا كبيرا قدره مليون دولار لتنفيذ المهام التي طلبها الإيرانيون، قد يكون الدافع الرئيسي هو الحاجة للشعور بأنه جزء من هدف كبير.

عوامل نفسية

لذلك فإن عملية تجنيد العملاء، غالبا ما تدمج -وفقا للكاتبة- عوامل نفسية مثل النرجسية والإشباع الذاتي، إلى جانب الدوافع الاقتصادية، حيث يشعر المُجنَّد بأن الحياة تأخذ معنى جديدا، ويتوّلد لديه إحساس بالقوة والأهمية من خلال التعامل مع جهات استخباراتية.

وذكرت الكاتبة أن الإيرانيين يستخدمون تقنيات نفسية مثل مبدأ "الاستمرارية" و"الالتزام"، ففي البداية يعطون للجواسيس مهمات سهلة نسبيا. وبعد ذلك، يُطالبونهم بمهمات أكبر وأكثر خطورة، مثل محاولة اغتيال شخصية بارزة.

تلك هي تقنية "الاستمرارية المعرفية" التي يتحدث عنها الباحثون النفسيون، فبمجرد بدء المهام الصغيرة، ينشأ لدى المجندين شعور بالالتزام للقيام بمزيد من المهام الصعبة والخطيرة، للحفاظ على الصورة الذاتية.

عوامل اختيار المستهدفين

وأضافت الكاتبة أن اختيار الأهداف استند إلى عوامل محددة بدقة، ففي حالة ميمان، رجل الأعمال الكبير الذي عاش في تركيا، من الواضح أن اختياره جاء بناء على سهولة انتقاله إلى إيران بحكم علاقاته التجارية الواسعة.

أما في حالة فيكتورسون وبرنشتاين، فهما شابان قد لا يكون لديهما رغبة كبيرة في أن يعيشا حياة "عادية"، ويبحثان عن تجارب تمنحهم شعورا بالقيمة والإثارة.

كما أن الجهة التي تقوم بالتجنيد لها دور مهم -حسب الكاتبة- فقبل عامين، تم تجنيد نساء إسرائيليات لفائدة شبكة تجسس إيرانية من خلال شخصية غامضة تدعى "رامبود نيمدار"، بينما تصرف ميمان وفيكتورسون بناء على تعليمات من أشخاص قدموا أنفسهم على أنهم أصحاب نفوذ في إيران، وهو ما يمنح للمجند إحساسا بالقوة ويقوده لاتخاذ قرارات جريئة.

وختمت الكاتبة بأن الحالتين المذكورتين تؤكدان أن التكنولوجيا والتطورات الحديثة في عالم التجسس لا يمكن أن تخفي حقيقة أن الحلقة الأضعف هي دائما العنصر البشري، إذ إن الرغبات البشرية -سواء الإثارة، أو الشعور بالمعنى، أو الربح المادي- هي التي تقود في النهاية إلى تجنيد الجواسيس.

اخبار ذات صلة