يُحكى أن مزارعاً هو الذي وشى بالزعيم تشي جيفارا وقدم معلومات للأمريكيين حول مكان وجوده، لأن تشي جيفارا حسب زعم المزارع كان سببا في اتلاف أرضه وزرعه التي كان يزرعها.
هذه القصة قديمة قدم الحدث، وسأتناولها من جانبين:
الأول: أنها قد تكون صحيحة؛ لأن من الوارد جدا حدوث خيانة من شخص ما تجاه فكرة ما، لا يؤمن هو بها؛ لأنه غير مستفيد منها سواء استفادة مادية أو معنوية، حتى لو لم يكن مستفيداً منها، فليست كل النفوس على قدرٍ واحد من التحمل والاستطاعة.
الثاني: أنه كذب وافتراء، وهذا الذي أميل إليه، فعادة ما تلجأ دول الاحتلال الى اختلاق قصص وتروجها على أنها حقيقة، هذه القصص تشوه وتحقر معارضيها ومقاوميها سواء كان نشرها في حياتهم أو بعد مماتهم، وكأنها بذلك توصل رسالة لمن يفكر بمعارضتها ومقاومتها، أنك لن تأمن من خيانة أبناء شعبك، فالناس في غالبهم يفكرون في بطونهم وحياتهم، وقلما تجد من يفكر في الوطن، هكذا يزعمون ويروجون.
ما سبق هو تمهيد لما سيأتي، وما سيأتي شاهد ملخصه الناس على الملأ، فكلنا نعلم أن قائد المقاومة في غزة يحيى السنوار رحمه الله، استشهد أثناء قتاله للاحتلال الصهيوني في رفح، وصور اللحظات الأخيرة والفيديو قد شاهدها ملايين الناس، وحاز على إعجابهم لما ظهر فيه من مشاهد البطولة والرجولة، هذا المشهد العظيم والثناء الذي حازه لم يرق للاحتلال وأذنابه، لأنه أظهر السنوار بمظهر البطل الأممي كما جيفارا، لأن الاحتلال أراد للسنوار نهاية غير ما كانت، فاراد له أن يقع أسيرًا أو يغتاله اغتيالًا حتى يظهر بمظهر القادر على كل شيء،
فنهاية السنوار كانت من خلال اشتباك وليس اغتيالاً، وهذا يعد فشلاً أميناً كبيراً في تحديد موقعه رغم الطائرات المزودة بأجهزة تجسس وتصوير ضخمة، وآلاف الجنود والدبابات التي تصول وتجول في قطاع غزة، ليظهر السنوار في رفح وهي منطقة قتال خطرة ليست بعيدة عن الجنود.
النهاية المشرفة للسنوار بأنه خاض اشتباك مسلح معهم، لم يرق للعدو وأذنابه، فاختلقوا قصصا واثاروا الشبهات تفيد بأنهم كانوا على علم بمكان وجوده، وان مخابرات دولة عربية استدرجت السنوار لمكان قريب من حدود مصر لإجراء مفاوضات معه بحكم انه لا يحمل أجهزة اتصال، وأن عميل قد وشى به.
هذه الأكاذيب يهدف الاحتلال من ورائها الى:
1_التغطية على فشلة في العثور على مكان السنوار رغم مرور عام من الحرب والمطاردة.
2_ فشل عملية اعتقال السنوار حيًا.
3_إظهار أن "إسرائيل" لها عيون في كل مكان حتى في أرفع الأماكن وأكثرها حساسية في حماس وقسامها.
4_ أن العميل وهو باعتباره من الناس قد ضاق ذرعا بالسنوار فقرر التخلص منه وتخليص الناس منه، كما فعل المزارع مع تشي جيفارا.
5_إظهار أن المخابرات العربية تعمل لصالح الاحتلال وتنسق معه، وأنكم أيها الفلسطينيون لا يحبكم أحد.
هذه الادعاءات وغيرها يمكن تفنيدها:
1_أن السنوار تواجد في ساحة قتال لم تكن هي الوحيدة، فقط أكد مجاهدون أنه تواجد معهم يقاتل في جبهات قتال أخرى مثل خانيونس.
2_ان الجنود لم يكونوا يعلمون أن هذه المجموعة ضمنها السنوار، وإلا لحاصروا المكان، وحرصوا على اعتقاله حياً؛ لأن ذلك سيشكل لهم نصرا مؤزراً، فكل أسرار الحرب معه.
إجمالًا يبقى القول واجبًا بأن العدو لا يترك فرصة إلا ويشوه بها العظماء الذين قاتلوه ووقفوا في وجهه، وقالوا له " لا" حين قال الجميع "نعم".