بعد مرور سبعة أشهر على الحادثة الأليمة لا تزال الطفلة ميرا عوني أبو عون البالغة من العمر 16 عامًا تستذكر اللحظات الأخيرة التي جمعتها بعائلتها وخاصة شقيقتها الأصغر منها سنا دانا قبل أن يفرقهم صاروخ إسرائيلي غادر.
تصمت ميرا لثواني معدودة وتخرج من قلبها تنهيدة أكبر من عمرها، لتتذكر بمرارة آخر لحظات جمعتها بشقيقتها دانا.
كانت دانا، البالغة من العمر 14 عامًا، أكثر من مجرد أخت، كانت رفيقة حياتها اليومية، كانتا تتقاسمان المهام المنزلية والعناية بأشقائهما الصغار، في محاولة لخلق لحظات هادئة وسط ضجيج الحرب المستمر.
تقول: "ذلك اليوم الذي لن أنساه أبدًا، بعد أن انتهيت مع دانة بتنظيف المنزل وترتيب الغرف، جلسنا معًا على السرير في غرفتنا المشتركة، لنستمتع بوقت قصير بمشاهدة شيء على الهاتف المحمول".
وتصف تلك اللحظة، "لقد كانت مليئة بالألفة رغم حالة الخوف التي نعيشها بسبب الحرب المشتعلة، ولكنها تحولت إلى كابوس لا نهاية له".
ودون سابق إنذار، سقط الصاروخ الإسرائيلي على منزلهم، ليحيل كل شيء إلى ظلام ودمار، كل شيء انهار من حول ميرا في لحظة، تتذكر جيدًا قوة الانفجار الذي زلزل المكان، وكيف شعرت أنها لن تنجو منه أو ستخرج منه مقطعة أشلاء لولا قدر الله وحكمته، كانت تحاول الصراخ والاستنجاد بالناس من تحت الركام، لكن الدمار كان أكبر من قدرتها على الاستيعاب.
في تلك اللحظات الرهيبة، فقدت ميرا شقيقتها دانا، التي كانت إلى جانبها على السرير قبل لحظات قليلة فقط. دانا التي شاركتها كل تفاصيل حياتها اختفت في لحظة تحت الأنقاض. لم تكن دانا الوحيدة التي رحلت، فقد استشهد والد ميرا، واثنان من أشقائها أيضًا، تاركين ميرا وباقي أفراد أسرتها الخمسة يواجهون ألم الفقد.
لا تزال ميرا تتذكر صوت شقيقتها وهمساتها الأخيرة قبل أن يصمت كل شيء. تلك اللحظات أصبحت جزءًا لا يُمحى من ذاكرتها، تلاحقها كلما أغمضت عينيها، فبينما تتطلع اليوم إلى المستقبل، تجد نفسها دائمًا تعود إلى تلك اللحظة، حيث تحول كل شيء إلى دمار، وحيث فقدت جزءًا كبيرًا من روحها مع أحبتها.
وتتحدث شقيقتها الكبرى أمل ٢٢ عامًا عن أحداث ذلك اليوم الذي بدأ على أصوات القصف والدمار كما اعتاد الاحتلال الإسرائيلي على إيقاظهم من منامهم منذ السابع من أكتوبر، وتقول: "بفعل الدمار الذي حل في شارع البيت اضطررت برفقة والدتي بتركه والمكوث عند أقارب لنا بسبب وضعها الصحي وبتر قدمها، لاعتني بها واستطيع التحرك بها، وتم قصف المنزل على من بداخله".
تستذكر حياتها فقد كانت تعيش وسط عائلة تحتضن طموحها وأحلامها وتربطها علاقة قوية بوالدها فهو ملاذها الآمن، وثلاثة من أشقائها الذين كانوا رفاقها في طفولتها، تكابد الحياة بألم ووجع.
وتضيف أمل وهي تحمل في عيونها دموعا لا تجف: "كان لوالدي بصمة في كل شيء بحياتنا اليوم نفتقده بكل أمورنا، وبات ردنا على كل شيء يحتاج منهم إلى قرار "لو أنه موجود".
وقد تحولت حياتها الى شابة تحمل هموما اكبر من عمرها، وذاكرة مليئة بالصور، وكل زاوية في بيتهم المدمر تذكرها بمن رحلوا، وكل صوت انفجار يعيدها إلى تلك اللحظة التي سلبت منها عائلتها.
ورغم كل ما فقدته أمل ميرا، إلا أنهما تحاول أن تبقى روحهما قوية، متمسكتا بأمل لعودة الحياة إلى طبيعتها.